المركزي الروسي يرفع سعر صرف الدولار واليوان ويخفض اليورو    موسم جني بواكير التمور بالقصيم يعزز الحراك الاقتصادي بالمملكة    استشهاد 20 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    ضبط (17863) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    القيادة تهنئ رئيس جمهورية كابو فيردي بذكرى استقلال بلاده    رياح نشطة وأتربة على عدة مناطق في المملكة    ترامب يوقع مشروع الميزانية الضخم ليصبح قانوناً    مدرب فلومينينسي: الهلال فريق منظم وقوي    الهلال يودع مونديال الأندية من ربع النهائي    إنزاغي: الهلال تأثر ببعض المتغيرات    15 دقيقة أولى لحمدالله بقميص الهلال    «سلمان للإغاثة» يدشّن المرحلة الثالثة لمشروع دعم الأمن الغذائي في باكستان لعام 2025    فلومينينسي ينهي مغامرة الهلال في كأس العالم للأندية    القبض على مواطن في تبوك لترويجه «الإمفيتامين»    أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الراجحي    يانيك فيريرا مديرا فنيا للزمالك المصري    وفاة الفنانة الإماراتية رزيقة طارش بعد مسيرة فنية حافلة    جمعية الدعوة بصبيا تُطلق الدورة العلمية الأولى لعام 1447ه بمحاضرة عن فضل العلم    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    مجمع الملك سلمان وتنمية الحياة الفطرية يطلقان معجم "مصطلحات الحياة الفطرية"    نادي الصقور يعلن عن فعالياته في المملكة    السديس في خطبة الجمعة: الهجرة وعاشوراء دروس في اليقين والشكر والتوكل على الله    سمو ولي العهد يستقبل سمو نائب حاكم أبوظبي مستشار الأمن الوطني الإماراتي    فراس آل الشيخ، المدير الإقليمي لشركة ريد هات في المملكة: بناء المستقبل الرقمي للمملكة.. دور "ريد هات" في تمكين الابتكار والأمن السيبراني    بلدية عنيزة تُطلق مهرجانيّ «كرنفال السعادة» و«صيف عنيزة» بالتعاون مع القطاع الخاص بمتوسط حضور يومي يتجاوز 8000 زائر    جمعية الكشافة تختتم مُشاركتها في ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب    أمين منطقة القصيم يتفقد مشروعي امتداد طريق الأمير محمد بن سلمان وطريق الملك سعود بمدينة بريدة    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق فعاليات برنامج أولمبياد أبطالنا 2025    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر يونيو 2025    بلدية محافظة الأسياح تنفذ 4793 جولة رقابية في النصف الأول لعام2025م.    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    قطاع أحد رفيدة الصحي يُفعّل "اليوم العالمي للبهاق" و "اليوم العالمي لإضطراب مابعد الصدمة"    محمد بن عبدالرحمن يُشرّف حفل سفارة الفلبين لدى المملكة    إنقاذ طفل ابتلع حبة بقوليات استقرت في مجرى التنفس 9 أيام    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    دعم النمو وجودة الحياة.. الرياض تستضيف"سيتي سكيب"    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. رئيس الشورى: توجيهات القيادة أسهمت في إنجاز مستهدفات رؤية 2030    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    الإنجاز والمشككون فيه    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيئة المبنية كأداة للتحضر"2-1"
نشر في اليوم يوم 28 - 10 - 2003

المتحضر شخص يتبع الانظمة الموضوعة والاعراف العامة بحيث يعيش حياته مفيدا لمن حوله وغير ضار بهم , فالحضارة كلمة أخذت من الحضر وهو مكان التجمع البشري الذي يقوم على اسس ومبادئ تضمن النظام والامن والاستقرار , على عكس البداوة التي تعني الترحال وعدم الخضوع لقواعد او نظم , يمنح التحضر الراحة والطمأنينة للسكان , ويجعل بيئتهم اجمل وأغنى وأكثر تنوعا , فيصبح السكان مثقفين ولطفاء ومنفتحين ومحبين للنظام ومطبقين له ومتعاونين وحريصين على محيطهم ومحافظين عليه , فتقل الخلافات والترهات والتفاهات والسلوكيات السلبية , ولا يرتبط التحضر بالعمران الفاخر والتقنيات العالية لأنه أمر يتعلق بالاخلاق والسلوك , مثال ذلك الزمن الذي استقال فيه عمر بن الخطاب من عمله كقاض لعدم وجود خصوم في المدينة على الإطلاق . ذلك الزمن لم تكن فيه الرفاهية ولا مظاهر التقدم المادي ولكن حقيقة التقدم الحضاري قد تجسدت في سلوك الافراد الذين تعلموا ان يحلوا نزاعاتهم بالتراضي بعيدا عن القضاء معتمدين على مستوى رفيع للغاية من الاخلاق.
وللتحضر أوجه كثيرة يعنينا منها هنا التحضر الاجتماعي الذي يتجلى في سلوك الافراد بين بعضهم البعض كقيادة السيارة والمشي في الطرقات والتعامل مع المملتكات العامة والتداول بين الأفراد انفسهم أن في الدوائر الحكومية أو الاسواق او المدراس او أماكن الترفيه , تحكم التحضر الاجتماعي عادة قوانين تعمل كأساس لتنظيم العلاقات بين الناس , عندما تتأصل هذه القوانين في نفوس الافراد تصبح جزءا من اسلوب حياتهم وطبائعهم فتسود الاخلاق كأساس لتنظيم العلاقات , بمعنى آخر تصبح القوانين جزءا من شخصية وسلوك الافراد وليست مفروضة عليهم.
السؤال المهم هنا كيف نجعل من القوانين قوة فاعلة في عملية تنظيم حياة الافراد كي نسمح لها بأن تتسرب الى سلوكياتهم وطبائعهم مع الوقت . والسؤال الاهم بالنسبة هو هل للبيئة المبنية دور في عملية تحضير المجتمعات . من الثابت ان البيئة المبنية السيئة تساهم في انتشار السلوكيات السلبية مثال ذلك أن الأزقة الضيقة المظلمة أو الاماكن البعيدة عن حركة المارة تفتح الباب للاعمال المنافية للأخلاق أو الاداب وأحيانا تشجع على الجريمة وكلك نعلم أن الاحياء او الاماكن المهملة أو غير النظيفة تدفع الناس ليكونوا اكثر استهتارا بتلك المناطق فيعتادون على اهمالها وتخريبها وتوسيخها ومن الملاحظ في كل المدن الكبرى في العالم أن الازدحام الشديد في الطرقات يجعل السائقين شديدي التحفز وسريعي الغضب مما يدفعهم للتصرف بشكل غير اخلاقي . فإذا كانت للبيئة المبنية القدرة على أن تجعل الناس أقل تحضرا فلا بد إذن أن تكون لها القدرة على أن تجعلهم اكثر تحضرا.
ولكن المسألة ليست بهذه البساطة ! فإذا اخذنا المثال الاخير نلاحظ أن زيادة عرض الطرقات وتحسينها وتزيينها لم يجعل من سائقي السيارات اناسا متحضرين في كثير من البلاد , وخاصة في بلادنا بل على العكس فتح أمامهم مجالات عديدة للممارسات غير الحضارية كزيادة السرعة بشكل جنوني وتعريض حياة المارة للخطر وتجاوز القوانين المرعية , وتخطي الرقاب ان صح التشبيه عند الاشارات للاندفاع بجنون ما ان تستعد الاشارة الضوئية لتغيير لونها الى الاخضر , وإغلاق الحارة اليمنى المفتوحة من الطريق للذين يريدون الالتفاف لليمين لعدم رغبة السائق بالانتظار في الرتل المخصص.
يبدو واضحا أن البيئة المبنية بحد ذاتها غير قادرة على أن تفعل الكثير وحدها , وإنما لابد من تكاملها مع آداب وقوانين او اعراف يؤمن بها الناس ويتصرفون وفقا لها , ولما كان الانسان ميالا للحرية والانطلاق وراغبا بطبعه عن الانصياع والتقيد فإنه يبدو حتميا ان يتم الاعتماد على قوة القانون المدعوم بأسلوب الترغيب والترهيب , ومعروف ان هذا الاسلوب في التربية السلوكية , أي اسلوب الترغيب والترهيب معتمد من قبل علوم النفس والاجتماع وقبل ذلك من قبل الفقه الديني.
يعني هذا أن وجود الطرقات العريضة والمريحة مثلا لن يجعل من السائقين أناسا متحضرين ما لم تكن هناك قوانين لتنظيم السير ولن تكون هذه القوانين فعالة ما لم تدعم بأسلوب يضمن تطبيقها من قبل الافراد.
إذن لابد من دعم التصميم البيئي بمجموعة من القوانين التي توجه سلوك الناس في البيئة المبينة , يعني ذلك أنه على المصمم أن يقدم البيئة التي تشجع الناس على السلوك الحضاري أولا , ثم تأتي القوانين لتؤصل هذا السلوك , لذلك فالسؤال الان هو: ما مواصفات البيئة التي تجشع على السلوك الحضاري . عندما يسافر أحدنا الى بلد أجنبي يتغير سلوكه بشكل مفاجئ هناك. في الحقيقة ما ان تطأ قدمه الطائرة التابعة لذلك البلد حتى يبدأ سلوكه بالتغير لا بل اكثر من ذلك فإن سلوك الواحد منا يتغير حتى وهو لايزال في بلده عندما يزور سفارة البلد الأجنبي للحصول على تأشيرة السفر , يتغير سلوكنا أيضا عندما ندخل دائرة حكومية مهمة ولو بشكل اقل حدة اذا ما قورن بالتغير الحاصل في حال دخولنا سفارة أجنبية , ويتغير سلوكنا اذا ما دخلنا بيت صديق لأول مرة يكون سلوكنا في كل هذه الحالات افضل من سلوكنا عندما نكون وحدنا أو في حارتنا أو حينا أو مكان عملنا أو أي مكان عام نضيع فيه مع الناس.
(يتبع)
الدكتور رافع ابراهيم حقي استاذ مشارك قسم عمارة البيئة كلية العمارة والتخطيط , جامعة الملك فيصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.