من أثر القول الذي ورثه ابن القيم من أستاذه ابن تيمية في شرح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)، قوله: فظهر أثر كرامتها على الله سبحانه في علومهم وعقولهم وأحلامهم وفطرهم، وهم الذين عرضت عليهم علوم الأمم قبلهم وعقولهم وأعمالهم ودرجاتهم، فازدادوا بذلك علما وحلما وعقولا إلى ما أفاض الله سبحانه وتعالى عليهم من علمه وحلمه. ولذلك كانت الطبيعة الدموية لهم، والصفراوية لليهود، والبلغمية للنصارى، ولذلك غلب على النصارى البلادة، وقلة الفهم والفطنة، وغلب على اليهود الحزن والهم والغم والصغار والحسد، وغلب على المسلمين العقل والشجاعة والفهم والنجدة والفرح والسرور..انتهى. ولكن تلك المزايا والسجايا وهنت شيئا فشيئا.. ودالت دولة اليهود والنصارى.. تكنولوجياً وتقنيا وعسكريا، وفي أي مجال للقوة.. هذا يأتي ممازجا ومصادقا للحديث الشريف عن النبي ﷺ (ستكون معادن يحضرها شرار الناس). وهذه سنن الله في الأخذ بالأسباب والمبادرة بالأعمال دون تفريط.. وإلا فإن الحال كما قال تعالى (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)، ولم نأخذ بقوة كافية لقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، والمصطفى أوضح أن قوة أمته في الرمي، وحدد نقطة الغلبة والانتصار في هذا المجال لقوم يفقهون، (قال ﷺ: ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)..بل جعل الله أعداد العدة من علامات الصدق في الجهاد..قال تعالى (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)، ومن الأسرار البلاغية في القرآن كذلك ما هو في سياق الآية في قوله تعالى..من قوة، أتت بصيغة نكرة لتفيد أي قوة. ولأن لكل زمان ومكان قوته وطبيعته، ولأن القوة متنوعة اقتصادية وعلمية وعسكرية الخ. ثم ليس بالضرورة أن يعني إعداد القوة تصادمنا الحضاري أو الإبادة الجماعية، بقدر ما هو خلق رهبة تردع طمع الأعداء، وتطمئن استعادة الحقوق المصيرية (قدسنا مثلا) وإشاعة العدل والقيم النبيلة.