تطرح الورقة البحثية الصادرة أخيرا للباحث الاستراتيجي بشير موسى نافع حول مستقبل الوضع الفلسطيني وحركته الوطنية الانشقاقات والانقسامات بين حكومتي رام الله وقطاع غزة (فتح وحماس) في ظل الامتداد الدولي الراغب في التسوية على حساب الفلسطينيين أنفسهم. كتاب نافع يقع في 72 صفحة من القطع المتوسط، محاولاً ألا يحصر القضية بسيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007م محذراً من التعامل مع الأزمة الفلسطينية باعتبارها مجرد حلقة جديدة في سلسلة التداعيات التي عاشتها الساحة الفلسطينية منذ انتصار حماس في الانتخابات التشريعية، بدون قراءة السياق التاريخي لبروز حركة فتح والاتجاه الإسلامي الفلسطيني، وبدون استطلاع دقيق لشروط التحولات السياسية في السياق الفلسطيني، كما يطالب بإعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية وإعادة النظر في النهج السياسي لقياديي سلطة الحكم الذاتي لحركة فتح، وحركة حماس. ويشير نافع إلى أهمية الفصيلين "الحمساوي والفتحاوي" باعتبار أن مشكلة الانقسام والسلطة تعلقت بهما،محذراً من نظر أي الفريقين إلى أن الشأن الفلسطيني المتعلق بهما سيكون له عواقب وخيمة وسيؤثر سلباً على مجمل الوضع الفلسطيني. فتح.. والشراكة الفلسطينية كما تشير الورقة الى أن هناك انقساما موازيا في حركة فتح، ليس من الممكن تنبؤ أبعاده وما قد ينتهي إليه، ولكن خطراً أكبر ينتظر الفلسطينيين، خطرا يتعلق بمستقبل قضيتهم الوطنية ككل،وليس تأجيج الانقسامات إلا وسيلة لتقديم الخطر القابع على منعطف الطريق وكأنه الخلاص الأخير لصراع المئة عام. يرسم نافع مستقبل حركة فتح في مسار العمل الفلسطيني الوطني بشيء من الدلالات والمعطيات، مستنداً على مؤتمر فتح السادس، مع تأكيده في سياق آخر على أن فتح لم تعد القوة السياسية الرئيسة، ولا هي القوة الحاملة لبرنامج الإجماع الوطني، ويعلل ذلك بقوله إن :"فتح فقدت الكثير من تماسكها البنيوي وتمزق كيانها التاريخي الكبير إلى جماعات صغيرة متصارعة حول الخط السياسي، وحول المواقع والامتيازات،وحول العلاقات مع دوائر القوة والنفوذ العربية والدولية والإسرائيلية". ويحاول نافع أن يعيد فتح إلى فهم المتغيرات والعوامل الجديدة على السطح، وأن عليها الاعتراف بمتغيرات الوضع الفلسطيني التي تتسق أيضاُ مع عموم الوضع العربي، والمتمثلة في صعود الإسلام السياسي، ودعوته لفتح للتعايش بعقلانية ومسوؤلية مع هذه المتغيرات. ومن جهة أخرى يعتب نافع على فتح بأنها ارتكبت خطأ جوهرياً عندما صمتت إزاء تهميش منظمة التحرير الفلسطينية وقطع الصلات بين فلسطينيي الداخل والمهجر، مطالباً بإعادة بناء المنظمة، وتوسيع دائرتها التمثيلية وتنشيط عملها، ليس خياراً، بل مطلب وطني ملح. حماس والدائرة الفلسطينية منذ أن قررت حماس الدخول في قواعد اللعبة السياسية والمشاركة في صناعة القرار الفلسطيني الداخلي والخارجي في الانتخابات التشريعية 2006م،وفوزها على حساب فتح بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي،وتشكيلها لحكومة خاصة بها بعد فشلها في تشكيل حكومة وحدة وطنية، ودخولها في بوتقة تنازع الصلاحيات بينها وبين رئيس السلطة الوطنية أبو مازن (محمود عباس)، وما حدث للحكومة من عدم تقبل المجتمع الدولي لها وأطراف عربية أخرى، وسعي حماس بعد ذلك للعمل المسلح والسيطرة على قطاع غزة، كل ذلك أدى – بحسب نافع - إلى مزيد من تعقيد المشكل الفلسطيني وملفاته الداخلية والخارجية، حيث وضع نافع وصفه التحليلي وهو أن حماس لم تستطع إيجاد صيغة توافق بين متطلبات وشروط المشاركة في حكومة سلطة الحكم الذاتي وحمل أعباء المسألة الوطنية، مضيفاً أن حماس "تسرعت بشكل نسبي في تشكيل حكومة وحدة وطنية ولم تعطها الوقت الكافي" مؤكداً أن ذلك كان يمكن أن يجنب الفلسطينيين الكثير من صعوبات وأعباء المقاطعة الدولية ويؤسس للمشاركة السياسية على أسس قوية.ويسرد نافع وقائع جلسات مؤتمرات المصالحة بين فتح وحماس وفشلها جميعاً. المطالب الوطنية يؤكد نافع عبر جملة ملاحظات اعتبرها وطنية لإعادة تصحيح المسار الفلسطيني، أولا العمل على إعادة الوحدة السياسية بين الضفة والقطاع، بدون التخلي عن مجمل المطالب الأخرى (إصلاح الأجهزة الأمنية في القطاع والضفة – الاتفاق على برنامج وطني يرتكز على الاتفاقات الوطنية السابقة- الإصرار على إعادة بناء المنظمة- وبناء علاقات عمل بل تحالف مع قادة فتح المؤمنين بضرورة الوحدة الفلسطينية، ثاني الملاحظات التي يسردها نافع بذل كافة الجهود لإيقاف التوجهات المتفردة نحو التوصل إلى اتفاق سلام في ظل الظروف الحالية، لا سيما أن تضمين مثل هذا الاتفاق تخلياً عن حقوق فلسطين الأساسية، ثالثاً ترميم صورة حماس ومصداقيتها الوطنية سواء على المستوى الفلسطيني الشعبي أو على مستوى القوى السياسية. رابعاً إعادة بناء وتعزيز علاقات حماس بالقوى السياسية والتنظيمات العربية والشخصيات الفلسطينية والعربية التي أقلقتها تطورات الشأن الفلسطيني إثر سيطرة حماس على غزة،ونبه نافع إلى ضرورة التعامل مع المتغيرات وفق السياسات الإقليمية والدولية دون التنازل عن الثوابت وتقرير مصير القضية الفلسطينية.