محمد صالح آل شمح بداية لن أتحدث عن وزير الإسكان وفكرته بتملك السكن، ولن أتبحر في دراسة التربة وأنواعها كما درستها في أيامي الجامعية، ولكن مقالي هنا يتمحور حول صورة أرسلها لي أحد الأصدقاء، وقال لي تخيل وفكر فقط.. وفي الصورة أحد طرق اليابان بعد زلزال تسونامي الشهير عام 2011، طبعاً الزلزال دمر كثيراً من الشواطئ والأماكن السياحية والطرق، وهنا مربط الفرس، وبعيداً عن السياحة وجمال المدينة سأقف مع الطرق والتربة وأشرح معاناة يومية في طريقي أمضيها ذهاباً وعودة حيث أني كل يوم أفكر وأفكر وأعتقد أن فكري لم يخدمني كثيراً وإلا لجعلني مثل إمبراطور اليابان من كثر ما وضعت أفكاراً لمنازل وقصور وحسّنت طرق مدينتي ووسائل النقل فيها ولكن الحقيقة مرة. والواقع يحدثنا أن اليابان وخلال أشهر معدودة تم تعديل الطرق الممزقة فيها، وإخفاء كل مشتت يدل على كارثة تسونامي بشكل يفوق الوصف المعتاد حتى عادت الطرق ولا أحد يشعر بشيء من الاختلاف في مستوى طبقات الطريق أو لونه، ولكن بالمقارنة عندنا وما يحدث الآن في طرقاتنا المشوهة والممزقة والمسروقة وبعيداً عن أوقات التنفيذ الخيالية "حيث وصلني أن بعض المشاريع لها 5 سنوات ولم تكتمل إلى الآن والمسافة لا تتعدى كيلومترات بسيطة". مع تخيلي للمشهد اليومي من البيت إلى العمل أجد في طريقي ما يقرب من 20 مطباً صناعياً، ناهيك عن حجم هذه المطبات وحتى إن بعضها لا بد أن تحذر وتفكر ألف مرة قبل الصعود أو عند النزول من المطب وقد تجد أنه من الأفضل تجنب هذا الطريق حتى لا يحدث لك ما لا يحمد عقباه، وهذا الأمر شبه عادي فسياراتنا أصبحت سيارات رجالا، لا يضرها مطب صناعي ولا حتى جبل فوجي في اليابان. سياراتنا سفن للصحراء تتحمل كل عقبات وحواجز وزارة الطرق وأمانات وبلديات المناطق ومعها أيضا شركات الحفر والهدم وأنابيب شركة المياه وكيابل الاتصالات بأنواعها والكهرباء وخنادق الصرف الصحي. كل هذا أصبح جزءا يوميا تعوّدنا على رؤيته وعلى تحمل أعباء إصلاح السيارات، والكارثة ليست في عدد المطبات ولا حجمها الضخم ولكن في ترقيع الشركات المنفذة للحفريات بالشوارع بطبقات مختلفة الأحجام، وبدون أسس علمية مدروسة، ولا وزن للكميات، ولا اهتمام بالمنظر الجمالي للمدينة، ولا حتى نوعية الإسفلت وتماشيه مع المكان، بعيداً عن اختلافات منسوب الطرق وتموج الحفريات، حتى أصبحنا نسير بين طيات وحفر تشعرك بمساج للسيارة قبل قائدها. ولم تكتف وزارة النقل والمواصلات ووزارة الشؤون البلدية والقروية وكل شركات الخدمات بخلخلة الطرق، بل سعت مشكورة إلى زيادة العبث والإهمال بتركها للحواجز الخراسانية "الصبات" في بعض الأماكن بدون إزالة، ناهيك عن بعض المخلفات المشوهة والملوثة للبيئة وللمنظر العام. وهنا أطرح تساؤلاً: لماذا لا تكون هناك جداول مواصفات وشروط موحدة لكل من يحفر في الشوارع الداخلية أو الطرق الخارجية تتفق عليها وزارة النقل والمواصلات ووزارة الشؤون البلدية والقروية وتعمم على كل الشركات من حيث تعدد طبقات الردم ونوعية التربة المستخدمة وكمية الحصى الموجودة فيها وأيضا حجم وكمية "دك" التربة وخامة الأسفلت ودرجة حبيباته، وغيرها من مواصفات التربة والطرق، المستخدمة باليابان أو غيرها من الدول المتقدمة، ولا مانع من أخذ الخبرة من مكاتب استشارات التربة المصرح لها أو الكليات المتخصصة في هذا المجال وبذلك يصبح لدينا نظام موحد يُجبر الشركة على الالتزام بمعايير الجودة المستخدمة في طبقات الطرق بعد حفرها لمشروعها الذي تدر منه الملايين ويسهّل أيضا على مراقب المشروع المعتمد معرفة الخلل وأماكن الخطأ وتقل مدة ووقت التنفيذ. يحق للوزارة في الأخير معاقبة المقصر، وحينها يستطيع قائد المركبة التوجه إلى عمله بأمان تام وتفرح سياراته بطريق لا تشوبه حُفر ولا يُكدره مطب ولا يغمه اعوجاج متكرر ولا ينغصه لون مختلف وبذلك تنعم المدن بنظافة بصرية لا مثيل لها.. ونستطيع عندها أن نقول "هات الفكرة التي بعدها".