كان بيننا في العمل زميل لا ترى في عينيه إلا متابعة مستمرة لما بين أيدي الآخرين. لا يركّز على ما ينجزه هو، ولا على النِعم التي يعيشها، فيلتفت دائمًا إلى ما لدى غيره: فرص، مكانة، تقدير، منصب.. أي شيء يمكن أن يجعله يشعر أنه «أقل». يراقبهم، ويتذمر.. ثم يخرج بتنهيدة طويلة لا تخطئها المسامع. لم يكن يتحدث عن أمر محدد، ولا يذكر تفاصيل واضحة.. لكنه كان يحمل شعورًا ثقيلًا بأن الحياة سخية مع الجميع إلا معه. ومع الوقت صار هذا الشعور يؤلمه بصمت. لم يعد يرى نفسه بعيون الرضا؛ صار يقيس ذاته بما في أيدي الناس فقط، فيزدري طريقه، ويستصغر خطواته، ويشعر أنه دائمًا في المؤخرة، حتى وإن كان في الحقيقة يسير بخطى ثابتة. فالمقارنة لا تُسقط علينا فجأة، إنما تنمو في الذات بصمت. تبدأ بإعجاب، ثم تتحول إلى غيرة، ثم تصل إلى جلدٍ للذات. ومع كل مقارنة نفقد شيئًا من رضا القلب. كثير ممن نراهم «أفضل» يعيشون قلقهم الذي لا نعرفه، ويتخفّون وراء ابتسامات لا تحكي كل الحقيقة. لذلك، المقارنة ليست قراءة للواقع.. إنما قراءة ناقصة لا تُظهر إلا ما يزيد الألم. ولا نغفل وسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من تأثير كبير على مشاعرنا الذاتية، فالمقارنة هناك تصبح أشد وقعًا وأشد قسوة. كل شخص يعرض أفضل لحظاته فقط، صور نجاحه، لحظات فرحه، إنجازاته الصغيرة والكبيرة، بينما نغفل عن الصعوبات والتحديات التي يواجهها في حياته اليومية. هذا يجعلنا نحكم على أنفسنا بقسوة، وننسى أن الواقع الحقيقي لا يظهر إلا جزءًا صغيرًا مما نراه على الشاشات. لذلك، المقارنة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تقرّبنا من الواقع، إنما تزيد شعورنا بالنقص إذا لم نكن واعين ونتوقف لحظة لننظر إلى حياتنا الخاصة بما فيها من نعم وإنجازات. الحل ليس في الانشغال بما ينقصنا، ولا في مطاردة ما لدى غيرنا. الحل في أن نتصالح مع أنفسنا، وأن نرى الجانب المشرق في حياتنا مهما بدا بسيطًا. أن نعترف بأننا نسير ونستمر في المشي، وأن خطواتنا – حتى وإن كانت بطيئة – جزء من مسارنا الخاص الذي لا ينافسه أحد. إذاً المقارنة تدمّر النفس قبل أن تغيّر الواقع. أما تقبّل الذات فيمنحك سلامًا داخليًا، ويعيدك إلى حقيقتك بلا أقنعة ولا تزييف للواقع. انظر لما لديك، اشكر، اعمل، واهدأ.. فقصتك أنت تستحق أن تُعاش دون أن تُقارن دائمًا بقصص الآخرين. ولعل أصدق ما قيل في ذلك: «من راقب الناس مات غماً.. وفاز باللذة الجسور».