ليست الأوسمة في حقيقتها معادن تُعلَّق، ولا الألقاب زينة تُتداول، وإنما هي شهادات صادقة تُمنَح حين يعجز الوصف عن الإحاطة، وحين يصبح الأثر أبلغ من الكلام. ومن هذا المعنى العميق جاء وسام الاستحقاق للشخصية الإسلامية العالمية لعام 2025، الذي منحته جمعية أهل الحديث المركزية في جمهورية باكستان الإسلامية لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ، تكريمًا لمسيرةٍ نذرت نفسها لخدمة الإسلام، لا بصخب الشعارات، بل بثبات العمل، ولا بضجيج الادعاء، بل بصدق المنهج. لقد كان طريق الدعوة عنده طريق مسؤولية لا مجد، وتكليف لا تشريف، فحمل الأمانة بعينٍ واعية، وقلبٍ خاشع، وعقلٍ يزن الأمور بميزان الشرع والحكمة. فلم تكن جهوده حبيسة الحدود، ولا رسالته محصورة في إطارٍ محلي، بل انطلقت إلى الآفاق، تلامس همّ الأمة، وتداوي جراح الفهم، وتعيد للخطاب الإسلامي وقاره، وللمنبر هيبته، وللكلمة صدقها وأثرها. وفي زمنٍ تكسّرت فيه المعاني على صخور الغلو والتفريط، برز صوته هادئًا مطمئنًا، لا يساير الانفعال، ولا يستدرج الخصومة، بل يدعو إلى الله على بصيرة، ويقيم الحجة بالعلم، ويواجه الانحراف بالعدل، ويغرس في النفوس أن الدين رحمة قبل أن يكون حكمًا، وهداية قبل أن يكون خصومة، وأن الوسطية ليست ضعفًا، بل ذروة القوة والاتزان. لقد شهد العمل الدعوي في عهده تحولًا عميقًا في روحه ومساره، حيث استعادت المؤسسية معناها، والانضباط مكانته، والتخطيط حكمته، فأصبحت الدعوة بناءً متكاملًا لا اجتهادًا فرديًا، ورسالةً ممتدة لا فعلًا موسميًا. وامتدت ثمار ذلك إلى تأهيل الدعاة، وصيانة المنابر، وتحرير الخطاب من شوائب التسييس والانغلاق، ليعود صوت الإسلام نقيًا كما أُنزِل، واضحًا كما عُرِف، جامعًا لا مفرّقًا، رحيمًا لا قاسيًا. وإن هذا التكريم، في عمقه، ليس احتفاءً بشخصٍ قدر ما هو اعترافٌ بنهجٍ اختارت المملكة العربية السعودية أن تسير عليه، نهج يستمد جذوره من الكتاب والسنة، ويستشرف المستقبل بعين الحكمة والرشد، في ظل قيادةٍ جعلت من خدمة الإسلام والمسلمين شرفًا ثابتًا، ومن نشر الاعتدال رسالة دولة، ومن الدفاع عن صورة الدين واجبًا لا يقبل التهاون. فكان دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله -، هو السند الذي قامت عليه هذه الجهود، والنور الذي استضاءت به في مسيرتها. ولئن عبّر معالي الوزير عن امتنانه لهذا الوسام بتواضع العالم، وإحساس المسؤول، فإن كلماته لم تكن حديث فخر، بل تجديد عهد، ولا إعلان إنجاز، بل استحضار أمانة. فقد أدرك أن التكريم حين يكون صادقًا، يثقل الكاهل قبل أن يزيّنه، ويستدعي من صاحبه مزيدًا من الإخلاص، ومضاعفة البذل، ومراقبة النية في كل قولٍ وعمل. إن وسام الاستحقاق للشخصية الإسلامية العالمية ليس نهاية مسار، بل علامة مضيئة في طريق طويل، يؤكد أن الدعوة إذا سُقيت بماء الصدق، ونُقّيت من شوائب الهوى، وأُديرت بعلمٍ وحكمة، فإنها تبلغ القلوب قبل المنابر، وتُصلح قبل أن تُدين، وتبقى أثرًا حيًا حتى بعد أن يهدأ التصفيق وتسكن الأصوات. وهكذا يظل العمل الصادق، مهما توارى، هو الأعلى صوتًا، وتبقى الرسالة الخالصة، مهما تجردت من الزينة، هي الأعمق أثرًا، ويظل من حمل همّ الدين بصدق، ووقف في صف الوسطية بثبات، جديرًا بأن تُنصت له القلوب قبل أن تُصفّق له الأيدي.