في الثالث والعشرين من سبتمبر 2025 تحل الذكرى الخامسة والتسعون لليوم الوطني السعودي، ذكرى إعلان الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمة الله عليه - توحيد البلاد في 23 سبتمبر 1932 تحت اسم المملكة العربية السعودية. من بيت طيني متواضع في الرياض، بدأت الحكاية التي صنعت مجد وطن، وسطّرت أروع ملحمة في تاريخ الجزيرة العربية الحديث. خاض الملك عبدالعزيز ثلاثين عامًا من معارك التوحيد ما بين 1902 و1932، ثم أمضى واحدًا وعشرين عامًا في إدارة الدولة حتى وفاته عام 1953. ومعه بدأت ملامح الدولة الحديثة تتشكل. كانت أول ميزانية سعودية لا تتجاوز 14 مليون ريال (3.7 ملايين دولار تقريبًا)، فيما تجاوزت اليوم تريليون ريال (375 مليار دولار تقريبًا)، وهو ما يظهر الفارق الهائل بين البدايات وما تحقق من إنجازات. منذ عام 1912، اهتم المؤسس باستقرار البادية فأقام مشروع الهجر، حيث انتقلت القبائل من حياة التنقل إلى قرى منظمة تضم قضاة وأمراء ومعلمين ومساجد ومدارس. جُلبت لها البذور والآلات، واستُقدم المهندسون لتدريب الناس على الزراعة واستخراج المياه. هذا المشروع التاريخي أنهى الحروب القبلية ورسّخ العدالة والتعليم والاستقرار السياسي والاجتماعي. ومع أن المتعلمين لم يتجاوزوا 20% من الشعب، فقد استعان الملك بمستشارين عرب وغربيين مثل العراقي عبدالله الدملوجي، والسوري يوسف ياسين، والليبي خالد القرقني. وقد أسسوا أول صحيفة (أم القرى)، وربطوا الدولة بالعالم الخارجي. أما في قطاع الصحة، فبينما كانت المملكة تضم ثلاثة مستشفيات فقط، رفعها الملك إلى 11 مستشفى و55 مستوصفًا، واستقدم الأطباء وأطلق حملات التطعيم ضد الجدري وغيره، فأنقذ آلاف الأرواح. أسس الملك عبدالعزيز ركائز الدولة: الخطوط السعودية، الإذاعة، ميناء الدمام، مطار جدة، مجلس الشورى، كلية الشريعة التي أصبحت النواة الأولى لجامعة أم القرى، والسكك الحديدية. كما دعم الرياضة بإنشاء الأندية الكبرى مثل الاتحاد والأهلي والشباب والوحدة. اقتصاديًا، أنشأ مؤسسة النقد، وغرفة التجارة بجدة، وأصدر أول عملة وطنية في تاريخ الجزيرة. كما بدأ ابتعاث الشباب إلى الخارج، وأسس مدارس للتعليم الصحي والميكانيكا والتدريب المهني. كان المؤسس قائدًا فريدًا جمع بين الحكمة والشجاعة؛ يهزم خصومه في الميدان ثم يكرمهم ويعيد لهم مكانتهم، ليحوّل الأعداء إلى حلفاء. أعاد للجزيرة العربية مكانتها التاريخية والدينية، وأرسى دولة حديثة تقف اليوم شامخة. والمملكة اليوم تسير بخطى واثقة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبطموحات ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، صاحب الرؤية المتفوقة والكاريزما الاستثنائية، الذي قاد نهضة شاملة عبر رؤية 2030، فحققت المملكة قفزات كبرى في الاقتصاد والتنمية والمكانة الدولية. إن اليوم الوطني ليس مجرد ذكرى، بل هو تجديد للعهد والولاء، واستحضار لمسيرة عظيمة بدأت من بيت طيني متواضع، حتى أصبحت المملكة قوة عالمية تُشار لها بالبنان. إنها قصة وطن استثنائي، مجده ممتد، وإنجازاته متجددة، ومسيرته ماضية نحو مستقبل أكثر إشراقًا.