يُعرّف علماء الفلسفة المنطق بعلم التفكير، وأن كل نتيجة بُنيت على مقدمة، فإذا كانت النتيجة لا تبررها مقدمتها فهي ليست صحيحة، أما منطق الكلام فهو ما يفهمه العقل. وقد درج الناس على استخدام الأمثال كلما فاجأتهم الحياة بمواقفها، إما للتحذير من سلوك تجاوز التقاليد الاجتماعية، أو للعبرة، أو للنقد، والعرب تقول: الأمثال مصابيح الأقوال. وحين نُخضع مجموعة منها للتمعن نجدها بعيدة عن المنطق الصحيح، بسبب تحريفات قديمة شوهت معانيها الأساسية الجميلة. وقد رأيت أن أتناول هذا الموضوع بتوسع رغم علمي أن هناك من سبقني إلى الكتابة لكنها لم تكن شاملة. ولعل مجموعة من المختصين في اللغة والأدب يعيدون البحث وتصحيح مئات الأمثال التي تعرضت إلى إبدال حروف مكان أخرى، وكذلك أقوال ليست صحيحة المعنى. ومن ذلك المثل الشائع «ثور الله في برسيمه»، والمنطق الصحيح هو: ثور لاهِِ في برسيمه. وهناك مثل مشهور يقول «أسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، ومنطقه السليم: «اسأل مجرب ولا تنس الطبيب». وشوه إلغاء أو إضافة نقاط التعجيم على بعض الحروف المعنى الجميل لأصل هذا المثل الذي نردده للأسف دون التمعن فيه. «اتق شر من أحسنت إليه»، والصحيح «أبق سر من أحسنت إليه». بمعنى إذا أحسنت للغير لا تتباهى بذلك، واجعله سراً لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وهناك مثل جرى على ألسنة بعض الناس بسوء فهم، ولا زال «التمر مَسامِيرُ الرُكَب»، وحقيقة المثل «التمر مُسامِر الرَكّب» بمعنى أن التمر يمنح الناس خلال الليل أثناء سفرهم وتنقلاتهم في الماضي الطاقة، والانتباه وتبادل الأحاديث، أما مثل «كافي خيره وشره» فمنطقه الصحيح: «كافي غيره شره». ونسمع من يقول في المجالس «كثرة السلام يُقل المعرفة»، وهذا خطأ، وصحته: «كثر السلام يُجِل المعرفة»، أي يُعزز المحبة والتواصل. ومثل آخر نردده كثيراً دون التفكير فيه «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، والسؤال هل هناك إنسان عاقل يقطع السيف؟، بينما الصحيح هو: الوقت كالسيل إن لم تقطعه قطعك، بمعنى عليك أن تُسرع في مشيك إذا كان المطر يهطل، وكنت في بطن الوادي، لأن السيل إذا أقبل قد يجرفك أو يتسبب في وقوفك ساعات أو أيام على إحدى ضفتيه ويؤخرك في الوصول لجهتك، ولذلك فإن تشبيه الوقت بالسيل تشبيه صحيح وليس السيف. ونسمع دائمًا من الطلاب مقولة لا يقبلها المنطق والعقل وهي «من علمني حرفًا صرتُ له عبدًا» بينما حقيقتها: «من علمني حرفاً صُنّتُ له عهدا». وهناك الكثير من مقولات وحِكم غير مقنعة في معناها، ولم نكلف عقولنا تصحيحها. يقول الإعلامي والكاتب كارم محمود في كتابه «مائة مقولة وحكمة خالدة»: الأمثال تصور حياة الناس بكافة جوانبها، وتعكس شعور قائلها وهي مرآة الحياة ولغة جميع طبقات المجتمع، ويجتمع فيها ما لا يجتمع في غيرها من الكلام، كإيجاز اللفظ، حُسن التشبيه، إصابة المعنى». وأضاف: نقرأ بعض المقولات المغلوطة التي تشبه الأمثال ومن ذلك «خذوا الحكمة من أفواه المجانين» فليس بالضرورة أن كل ما يقوله المجنون يُعتبر من الحكمة، أما مقولة «كُل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس» فهذه أيضاً ليست من الحكمة حين يرتدي الإنسان ما يعجب غيره، خاصة في هذا العصر. والسؤال: هل يتم ارتداء الملابس المتسخة أو الممزقة أو الفاضحة التي تُعجب كثيرًا من مختل القيم ومشاهير الفلس؟ ويرى أن مقولة «الأفعال أبلغ من الأقوال» لها معنى جميل، لكن الكلمة الطيبة صدقة، وهي فعالة جداً لمن هو في أمسِّ الحاجة إليها، وتقديم المشورة في الوقت المناسب. وقال الكاتب عن المقولة المشهورة «الغاية تبرر الوسيلة»: إن الغاية لا تبرر الوسيلة أبدًا، فالنوايا والأهداف، تظل ملطخة بالعار، إن تحققت من خلال إراقة الدماء والاستهانة بالأرواح». وأعتقد أن نقداً كهذا عن مقولة الميكافيلية منطقي وبناء، فكم نحن اليوم بحاجة إلى نقد وتصحيح مقولات جاءتنا من بيئات ثقافية عالمية ومختلفة ليست بالضرورة صائبة.