في حياة كل إنسان ثمة مواقف صغيرة قد تغيّر مسار حياته كله، قد تكون كلمة عابرة أو تصرفًا بسيطًا، لكنه يترك أثرًا عميقًا لا يمحى مهما طال الزمن. ومن تلك المواقف قصة تلميذ سرق ساعة زميله، لكنها كانت السبب في أن يتعلم درسًا لا يُنسى في الستر والرحمة، خلال حفل زفاف صادف أحد الحضور معلمه الذي كان يدرّسه في المرحلة الابتدائية قبل نحو 35 سنة. أقبل الطالب بلهفة واشتياق على معلمه بكل تقدير واحترام، ثم قال له بشيء من الخجل: - هل تتذكرني يا أستاذي؟ فقال المعلم العجوز: لا يا بني. فأجاب الطالب بصوت خافت: - كيف لا؟ أنا ذلك التلميذ الذي سرق ساعة زميله في الصف، وبعد أن بدأ الطفل صاحب الساعة يبكي، طلبت منا أن نقف جميعًا لتفتيش جيوبنا.. أيقنت حينها أن أمري سينفضح أمام التلاميذ والمعلمين، وسأبقى موضع سخرية وستتحطم شخصيتي إلى الأبد. لكن حكمتك يا أستاذي أنقذتني، فقد أمرتنا أن نقف صفًا واحدًا، وأن نوجّه وجوهنا للحائط، وأن نغمض أعيننا تمامًا.. بدأت تفتش جيوبنا واحدًا تلو الآخر، وحين جاء دوري أخرجت الساعة من جيبي، وواصلت التفتيش حتى آخر طالب. وبعد أن انتهيت، طلبت منا الرجوع إلى مقاعدنا، وأنا كنت مرتعبًا من أنك ستفضحني أمام الجميع، لكنك اكتفيت بإظهار الساعة وإعادتها لصاحبها، دون أن تذكر اسم من وجدتها في جيبه. وطوال سنوات الدراسة الابتدائية لم تعاتبني بكلمة، ولم تخبر أحدًا عني ولا عن سرقتي لتلك الساعة، ومنذ ذلك اليوم قررت أن لا أسرق شيئًا مهمًا كان صغيرًا. فكيف لا تذكرني يا أستاذي، وأنا تلميذك، وقصتي لا تُنسى؟ ابتسم المعلم وربت على كتف تلميذه قائلاً: - بالطبع أتذكر يا بني.. صحيح أنني تعمدت أن يكون التفتيش وأنتم مغمضو الأعين حتى لا ينفضح أمر السارق أمام زملائه، لكن ما لا تعلمه أنني أنا أيضًا فتشتكم وأنا مغمض العينين، ليكتمل الستر، فلا أراك ولا يبقى في قلبي شيء ضدك. الخاتمة التربية ليست بكشف الأخطاء وفضح أصحابها، بل بالستر ومنح فرصة للإصلاح، وهكذا حين أغلق المعلم عينيه في ذاك الصف صنع إنسانًا وزرع بذور الخير التي تبقى حيّة مهما طال الزمن.