يشكّل قطاع الهوايات أحد أبرز ملامح التحول الاجتماعي الذي رصده التقرير السنوي لبرنامج جودة الحياة لعام 2024. فقد تطور هذا القطاع من إطار محدود للممارسات الفردية إلى منظومة متكاملة تُعزز المشاركة المجتمعية، وتدعم التنوع الثقافي، وتوفر خيارات لكافة شرائح المجتمع، مما يجعل الهواية اليوم أداة فعلية لتحسين جودة الحياة، وتعزيز التفاعل والانتماء المجتمعي، بماينسجم مع ركيزة "مجتمع حيوي" كأحد المحاور الثلاثة لرؤيةالسعودية 2030. في ديسمبر 2020، وتحت مظلة مركز برنامج جودة الحياة، اعتمدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تأسيس جمعية أندية الهواة "هاوي"، لتكون الكيان التنظيمي المسؤول عن تمكين أندية الهواة وتسجيلها، وتوفير الدعم المالي والفني لها، والإشراف على أنشطة الهواة في المملكة. ويمثل هذا الاعتماد خطوة مفصلية في مسيرة تنظيم قطاع الهوايات، حيث شاركت في التأسيس 12 جهة حكومية شريكة، وقد تأسست الجمعية لتكون المظلة الجامعة لأندية الهوايات، لتُسهم في بناء شبكات وطنية، ونقل أفضل الممارسات الدولية، وتعزيز جودة الأنشطة المجتمعية. وبعد ذلك بعام، وتحديدًا في 2021، أُطلقت البوابة الوطنية للهوايات"هاوي" كذراع تشغيلي للجمعية، لتتيح للمواطنين والمقيمين تأسيس أنديتهم بأنفسهم، أو الانضمام إلى الأندية القائمة، وتنظيم فعالياتهم ضمن بيئة رقمية مرنة ومحفّزة. وقد كشف التقرير السنوي لعام 2024 عن نمو لافت في حجم المشاركة المجتمعية، حيث بلغ عدد أندية الهواة في المملكة 1,832 ناديًا، موزعة على 77 مدينة ومحافظة، وتغطي 218 هواية متنوعة تشمل الرياضات الذهنية، الفنون، الأنشطة البيئية، والتراث الثقافي. كما تجاوز عدد المسجلين في بوابة "هاوي" 78,000 عضو نشط، ينتمون إلى مختلف الأعمار والمناطق، ما يعكس عمق الامتداد الجغرافي للقطاع، وشموليته على المستوى السكاني. هذا النمو لم يقتصر على عدد الأندية أو الأعضاء، بل شمل نوعية النشاطات أيضًا. فقد شهد عام 2024 تنظيم أكثر من 1,171 فعالية ومسابقات للهواة في مختلف مناطق المملكة، من بينها بطولات الشطرنج والبلوت والبادل، إلى جانب دوري كرة القدم للهواة، وورش ثقافية وفنية متخصصة. وبلغ عدد المشاركين في هذه الفعاليات أكثر من 1,000 هاوٍ، ينتمون إلى أكثر من 200 نادٍ، ما يؤكد قدرة القطاع على تحويل الشغف إلى تفاعل مجتمعي منظّم. كما أبرم المركز عددًا من الشراكات الإستراتيجية مع هيئات ثقافية وتعليمية، من أبرزها اتفاقية مع هيئة المكتبات لتنفيذ مبادرة "سفراء المكتبات"، وأخرى مع هيئة الأفلام لتنظيم "معسكر أندية الهواة للأفلام". وقد ساهمت هذه الشراكات في ربط القطاع بمسارات مهنية وثقافية وإبداعية، وفتحت أمامه آفاقًا استثمارية وتنموية جديدة. منذ اعتماد تأسيس جمعية أندية الهواة "هاوي"، عمل المركز على تطوير مهام الوحدة الإشرافية تدريجيًا، حيث شهد عام 2024 تعزيز هذا الدور من خلال تحديث أدوات الحوكمة، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتوسيع الحزم التمويلية، إلى جانب إطلاق خدمات رقمية متقدمة عبر منصة "هاوي"، تتيح للأندية إدارة العضويات، وتنظيم الفعاليات، ورفع تقارير الأداء، بما يتماشى مع معايير الجودة والشفافية. في بُعده التنموي، أسهم القطاع في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال تنامي الطلب على المنتجات والخدمات المرتبطة بممارسة الهوايات، لا سيما تلك التي تستلزم تجهيزات أو تنظيم فعاليات أو تقديم محتوى متخصص. كما يوفّر القطاع آفاقًا مستقبلية للجهات غير الربحية والمبادرات المجتمعية ورواد الأعمال المهتمين بتطوير حلول مبتكرة في مجالات الثقافة، الرياضة، والأنشطة الإبداعية، مما يعزّز من مكانة القطاع ضمن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية. وبينما يواصل مركز برنامج جودة الحياة تطوير السياسات وتوسيع فرص التمكين، يتقدّم القطاع نحو تحقيق مستهدف نوعي يتمثل في الوصول إلى أكثر من 6,263 نادي هواة بحلول عام 2030، في خطوة تعكس طموح المملكة نحو ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للهوايات، وتفتح المجال أمام كل فرد لبناء شغفه وتفعيله ضمن مجتمع نابض بالحياة، متنوع بالخيارات، وغني بالتجارب.