كشفت دراسة سعودية أعدها فريق طبي في جامعة جازان عن ظاهرة مثيرة للقلق تتمثل في أن أكثر من 50% من الأشخاص الذين يفقدون الوزن في المملكة يعودون لاستعادته بعد فترة من الوقت، مما يحول مساعي فقدان الوزن إلى حلقة مفرغة من المحاولات الفاشلة والانتكاسات المتكررة. وحدد الباحثون 4 عوامل رئيسة مؤثرة في استعادة الوزن بعد فقدانه. وأجريت الدراسة تحت إشراف الأستاذ الدكتور إبراهيم بن مطاعن قصادي، أستاذ قسم طب الأسرة والمجتمع بكلية الطب في جامعة جازان، وتعد الأولى من نوعها على مستوى المملكة، حيث تبحث بشكل منهجي وموسّع في تجارب فقدان الوزن واستعادته بين البالغين السعوديين، مع تحليل العوامل المؤثرة على هذه الظاهرة من مختلف الجوانب الصحية والاجتماعية والسلوكية. أرقام تكشف التحديات شملت الدراسة 368 مشاركاً من منطقة جازان، تراوحت أعمارهم بين 18 و60 عامًا، بمتوسط عمر بلغ 32.7 سنة، مع توازن في التوزيع بين الجنسين. وأظهرت النتائج أن نسبة الأفراد الذين يمتلكون وزنًا طبيعيًا لا تتجاوز 28.7%، في حين يعاني 34.8% منهم من زيادة في الوزن، ونسبة السمنة وصلت إلى 30.1%. وتعكس هذه الأرقام حجم التحدي الصحي الكبير الذي تواجهه المملكة، إذ يبلغ معدل انتشار السمنة وارتفاع الوزن بين البالغين نحو 65%. غير راضين كشفت الدراسة أن 65% من المشاركين غير راضين عن وزنهم الحالي، بينما يرى 77% أنفسهم في خانة الوزن الزائد، ويؤكد ذلك وجود ضغط نفسي مستمر مرتبط بصورة الجسم والشكل الخارجي، مما يدفع كثيرين وراء حلول فقدان الوزن. وسائل شائعة حلل الباحثون الوسائل التي يلجأ إليها السعوديون لفقدان الوزن، فتبين أن التمارين الرياضية كانت الأكثر استخدامًا، حيث مارسها 257 مشاركا، تلاها تقليل كمية الطعام (226 مشاركا)، ثم الصيام المتقطع الذي اعتمده 180 مشاركا. وتبرز أهمية الصيام المتقطع كوسيلة فقدان وزن متوافقة مع الثقافة الإسلامية، مما يوفر فرصة لتعزيز ممارسات صحية مبنية على العادات المحلية، وتسهيل اعتمادها على نطاق واسع. فجوة علاجية على الرغم من انتشار محاولات فقدان الوزن، كشفت الدراسة عن وجود فجوة علاجية واضحة، إذ أشار أقل من 11% من المشاركين إلى استشارتهم لأخصائي تغذية أو طبيب مختص، فيما لجأ كثيرون إلى محاولات ذاتية غير خاضعة للرقابة، مثل استخدام الأعشاب (24 مشاركاً)، أو أدوية فقدان الوزن التي لا تتطلب وصفة طبية (18 مشاركاً). ويشكل استخدام أدوية التخسيس بوصفة طبية عددًا محدودًا من الحالات (15 مشاركاً فقط)، في حين خضع 10 مشاركين فقط لجراحات السمنة، ما يشير إلى قلة التوعية أو محدودية الوصول إلى خيارات علاجية متقدمة. دوافع فقدان الوزن حددت الدراسة الدوافع التي تحفز السعوديين لفقدان الوزن، وكانت الوقاية من الأمراض المزمنة الدافع الأساسي لدى 82.9% من المشاركين، بينما اعتبر 75.3% أن تحسين مظهرهم الخارجي هو هدف رئيس، وأشار 57.6% إلى تعزيز الثقة بالنفس كحافز مهم. الدعم الاجتماعي أظهرت الدراسة أن الدعم الاجتماعي يشكل عاملاً جوهريًا في نجاح محاولات فقدان الوزن، حيث أكد 178 مشاركاً أن العائلة كانت الداعم الأول لهم، تلتها شبكة الأصدقاء 172 مشاركاً، والمرافق الرياضية العامة (160 مشاركاً). ويؤكد هذا أهمية تعزيز البنية التحتية التي تدعم نمط الحياة الصحي، من خلال توفير أماكن ومساحات رياضية مناسبة، إضافة إلى أهمية إشراك الأسرة والمجتمع في برامج التوعية. عائق توفر الصحي بقيت قضية توفر الطعام الصحي بأسعار مناسبة تحديًا رئيسا، حيث أشار أغلب المشاركين إلى أن وفرة الطعام الصحي وسعره يظلان من العوامل الضعيفة التأثير على سلوكياتهم، مما يستدعي تدخلًا وسياسات عامة لضمان توفر الخيارات الغذائية الصحية بأسعار معقولة. عوامل مؤثرة أظهرت الدراسة أن 52.4% من المشاركين الذين فقدوا الوزن استعادوه لاحقًا، وهو معدل مرتفع للغاية يشير إلى قصور في الإستراتيجيات المتبعة. وباستخدام التحليل الإحصائي المتقدم، حدد الباحثون 4 عوامل رئيسة ترتبط بزيادة احتمال استعادة الوزن: 1 السكن في المناطق الريفية، حيث يزيد احتمال استعادة الوزن بنسبة 1.91 مرة، ربما بسبب محدودية الوصول إلى خدمات الدعم والوعي الصحي. 2 ارتفاع الدخل الشهري فوق 15 ألف ريال، يرتبط بزيادة الاحتمال إلى 2.93 مرة، وقد يعود ذلك إلى تغيّر نمط الحياة وتوفر الأطعمة غير الصحية. 3 التدخين، يزيد من المخاطر بنسبة 2.16 مرة، ويؤثر سلبًا على قدرة الجسم على التحكم في الوزن. 4 وجود حالة صحية مزمنة، مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم، حيث ترفع هذه الظروف احتمال استعادة الوزن بنسبة 1.97 مرة. كما لاحظ الباحثون وجود ارتباطات أخرى غير مؤكدة إحصائيًا لكنها جديرة بالاهتمام، مثل كون الشخص ذكرًا، أو أكبر من 32 عامًا، أو حاصلًا على تعليم عالٍ، أو سبق له تعاطي القات. مزيد من الدراسات أكد الدكتور قصادي أن الدراسة تفتح الباب أمام مزيد من الأبحاث لتسليط الضوء على العوامل النفسية والسلوكية التي تؤدي إلى استعادة الوزن، ودراسة فعالية الإستراتيجيات المختلفة للوقاية منها، ودعا إلى توسيع نطاق الدراسات لتشمل مناطق متعددة في المملكة، لتعزيز تعميم النتائج ووضع حلول وطنية متكاملة، مشددًا على أن الحفاظ على الوزن الصحي لا يتم فقط بالإرادة الفردية، بل يتطلب منظومة متكاملة من التوعية والدعم والسياسات الصحية الشاملة. توصيات الدراسة إعادة النظر في سياسات إدارة الوزن، لتشمل إستراتيجيات أكثر شمولاً وفعالية وضع برامج متابعة طويلة الأمد للأشخاص الذين فقدوا الوزن لضمان الحفاظ عليه تصميم تدخلات موجهة للمجموعات الأكثر عرضة للاستعادة. تعزيز الوصول إلى الرعاية المتخصصة، سواء من خلال الأطباء أو أخصائيي التغذية.