وقال ابن شُمَيْل: الصحراء من الأرض: مثل ظهر الدابة الأجرد، ليس بها شجر ولا أكام ولا جبال، ملساء، وزاد الجوهري في الصحاح: «الصحراء: البرِّيّة»، ونقل الفيروز أبادي وابن منظور، أن الصحراء: الأرض المستوية في لين وغلظ دون القُفّ، أو الفضاء الواسع. ولا تزال لفظة «الصحراء» تستعمل في بعض بلادنا العربية للدلالة على هذه المعاني أو ما يقرب منها. وحين كانوا يذكرون «الصحراء» في شعرهم لم يكونوا يعنون دائمًا أنها رمال. ونقل ياقوت في اشتقاق «العُذيْب» أنه تصغير العذب، وهو الماء الطيب، ثم نقر عدة تعريفات لهذا الموضع ليس منها ما يدل على أنه في الرمال. فهو ماء بين القادسية والمغيثة بينه وبين القادسية أربعة أميال. وقيل: هو واد لبني تميم وهو من منازل حاج الكوفة، وقيل: هو حد السواد. فقد شرحه الربعي في «نظام الغريب» بقوله «الصحراء: البلد القفر المستوية، وجمعها صحار». ولكنها قد تعني أيضًا هذه الرمال. قال الفرزدق: و«فلجَ»: واد عظيم يشق شرقي نجد من الدهناء جنوبًا إلى الزبير قرب البصرة شمالا، ويسمى اليوم «الباطن». وقال الحسن. بن عبد اللّٰه الأصفهاني المعروف بلُغْدَة «ت: نحو 310ه» وللبصرة إلى مكة طريقان: أما أحدهما «فالصحراء عن يسارك وأنت مصعد إلى مكة ليال، فإذا ارتفعت فخرجت من فلج في الرمل...». وفي الوقت نفسه نجد لفظ (البادية) مرادفًا للرمل أو الصحراء، باستعمالنا اليوم. ففي معجم البلدان في التعريف بعالج، أنه «رملة بالبادية مسماة بهذا الاسم»: وفي «التكملة والذيل والصلة للصغاني» حين أورد قول الشاعر: شرحه بقوله: «يقول: أقام آبائي بالبادية ولم يحضروا القرى». وذكر البكري بني كعب بن ربيعة بن عامر، فيمن نزل نجداً من العرب، ثم قال: «ودارهم الفلْجُ وما أحاط به من البادية». وقال الليث: «البادية اسم للأرض التي لا حضر فيها، وإذا خرج الناس من الحضر إلى المراعي في الصحارى قيل: قد بدّوا، والاسم: البدو». فتحن نرى من هذه النصوص مبلغ التداخل في معاني هذين اللفظين، فهما بمعنى واحد أو بمعنيين متقاربين جداً، لا يكاد ظاهر النصوص يميز بينهما. ونجد مثل هذا التداخل والاضطراب في لفظين آخرين، هما: أعرابي وبدوي. فالمعاجم وكتب اللّغة والتفسير وغريب الحديث تورد تعريفات لهذين اللفظين تجعلهما يدلان على معنى واحد. وأصحاب المعاجم - كما نعرف - ينقل المتآخر منهم عن المتقدم، وقد ضيف زيادات من مصادر أخرى، ولكن تلك الزيادات في هذين اللفظين لا تضيف جديدًا يفرّق بينهما. ففي هذه المعاجم: «ورجل أعرابي - بالألف - إذا كان بدويًا، صاحب نُجعة وانتواء وارتياد للكلأ وتتبع لمساقط الغيث، وسواء كان من العرب أو من مواليهم... فمن نزل البادية أو جاور البادين وظعن بظَعْنهم وانتوى بانتوائهم فهم أعراب». وفيها: «العرب جيل من الناس... وهم أهل الأمصار... والأعراب منهم سكان البادية خاصة». وفيها 0: (والأعرابي: البدوي). ويقابل هذه الصورة ويكمّلها، ما ذكروه عن البدو والبداوة، فقد ذكروا: أن معنى (بدا بداوة وبداوة) بفتح الباء وكسرها (خرج إلى الصحراء). وفسروا (الأعراب) في الآيات الكريمة العشر، التي وردت هذه اللفظة فيها في أربع سور، بأنهم: (قوم من بوادي العرب قدموا على النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - المدينة طمعًا في الصدقات لا رغبة في الإسلام، فسماهم اللّه الأعراب، أو أنهم «سكان البوادي الذين تخلفوا عن رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - في غزوة تبوك»، أو أن هذه الآيات «نزلت في سكان البادية، يعني أن أهل البدو أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الحضر». وقال ابن زَبَنّج عن أبيه: كان أَبَان بن عثمان من أهزل الناس وأعبثهم... فبينا نحن ذات يوم عنده وعنده أشعب إذ أقبل أعرابي ومعه جمل له. فقال أشعب لأبان: هذا واللّه من البادية...». وقال ابن حزم: «أخبرني بعض أعراب، طئ أن بني محارب وبني أشجع ابن رَيْث أذلُّ قبائل قيس بالبادية اليوم». وقال ياقوت: «وكان أبو ثرْوان أعرابيًا بدويًا تعلم في البادية». 1976* * كاتب وباحث أردني «1922 - 2015».