يثور بين فترة وأخرى خلاف حول روائي أو مؤلف كتاب إذا أصدر عملًا لا يتوافق مع المنهجية المعروفة للتأليف أو الطرح في هذه المجالات، ذات الطبيعة القائمة على المتلقي في الانتشار كالرواية والموسيقى والمسرح والدراما والشعر. فكل هذه المجالات قد ظهر بها طرح غير منهجي ولا يتوافق مع أصولها المعروفة التي يعرفها المتخصصون بها، ولكنه ذو شعبية كبيرة ويحقق مبيعات عالية، وهو يكثر في الرواية أكثر من غيره. وهذا الخلاف قائم بين من يدعو إلى الإبقاء على المنهجية المعروفة لهذه المجالات، وبالتالي استبعاد الأعمال غير المتوافقة معها. وآخرون يرون أن الذائقة الجماهيرية قد اختلفت، وأن النخبوية قد ضعفت ولا بد من قبولها أو الرضى بها على أقل تقدير. ولا أريد أن أرجح أحد الاتجاهين على الآخر لكن ما أريد تقريره أنه وفي حال الإبقاء عليها فإنه لا بد من تسميتها اسماً آخر غير المجال التي تنتسب إليه، وليكن مصطلح «الشبيه الثقافي» فهذا الشبيه يختلف عن المجال نفسه، والأفضل أيضًا أن تستحدث له أقسام خاصة في معارض الكتب بهذا الاسم يدرج بها جميع الإنتاج «الشبيه» إن صح التعبير وهذا إذا أردنا تعبيرًا عامًا، أو تعبير خاص بكل مجال كالشبيه الروائي أو الشبيه الشعري أو المسرحي أو شبيه الكتاب... الخ. وبهذا تخف هذه الإشكالية، فلا يطغى الطرح الشبيه على الأصيل بأصوله ومنهجيته، بل ونحميه منه حتى لا يندمج معه، وفي الوقت نفسه نبقي على الطرح الجديد لمن يرغبه، إذ لا أرى أي فرق بين ما ذكرته وشبيه الغذاء والغذاء الأصلي أو نكهة العصير والعصير الأصلي، وهذا امتداد لما ذكرته في مقالتي السابقة من أن الظواهر المتشابهة تجمع ويوضع لها وصف واحد أو تحليل واحد. هذا التموضع ليس بغرض الإبقاء على كلا المجالين فحسب، وإنما حماية المجال الأصيل من تسرب الشبيه اليه تحت شعار النسبية أو أن الذائقة هي الأهم فيؤدي إلى ذوبان المنهجية في العلم نفسه أو المجال، لأن قبول الشبيه لا يكمن في ترك الناس للأصيل وإنما قد يتطور ليكون هو المجال أو العلم نفسه، ويصبح الأصيل تاريخيا لا غير. فلنا أن نتخيل لو أن شبيه الغذاء طغى على الغذاء الأصلي وادعى الناس أنه هو الأفضل صحيا لأنه يشعر بالسعادة والنشاط بعد تناوله ليكون ذلك هو المعيار الرئيس لتقييم الطعام صحيًا فهذا ما أخشاه مع بقية العلوم.