بلدية الظهران تطلق مبادرة "ظلهم علينا" بالتعاون مع جمعية هداية    "سعود الطبية" تنظّم ملتقى "صوت المستفيد يقود التغيير"    المملكة تستضيف الدورة العادية الثانية لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب .. غداً    تتويج أبطال بطولة الدمام لكرة المناورة.. بإجمالي جوائز 40 ألف ريال    تعرف على المرشحين لخلافة بلان في الاتحاد    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الحرس الوطني    شنايدر إلكتريك ترقع مذكرات تفاهم استراتيجية مع شركات رائدة خلال قمة الابتكار بالرياض 2025    انزاغي يختار بديل مالكوم أمام ناساف    جمعية كتاب الرأي تحتفي بفيلم العوجا 17:47    برنامج "جودة المياه" يعمل على تحويل المياه المالحة الى مياه بجودة عالية بمعايير عالمية    الهيئة السعودية للتخصصات السعودية تعتمد برنامج طب التخدير في تجمع تبوك الصحي    أوروبا تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة أسرع مرتين من بقية العالم    هيئة التخصصات الصحية تُطلق برنامج متابعة التدريب TTS    فعد الغامدي إنجاز غير مسبوق لأول سعودي يحصد تصنيف "الإيكاو" الدولي    ارتفاع أسعار الذهب    محافظة الفرشة بتهامة قحطان تحتفل باليوم الوطني 95 وسط حضور جماهيري واسع    وزارة الرياضة تصدر بيانًا حول أحداث مباراة العروبة والقادسية في كأس الملك    يوم لنا مشهود بعال المراقيب    وطن شامخ ولا يهتز في ظل الملك سلمان    22.8 مليار ريال استثمارات أجنبية جديدة    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    "مع الأخضر قدام".. حملة جماهيرية لدعم المنتخب السعودي في الملحق الآسيوي    حائل تستضيف كأس الاتحاد السعودي للهجن للمرة الأولى    محطماً رقم رونالدو وهالاند.. كين أسرع لاعب يصل للمئوية    صعوبة بالغة لوصول الطواقم الطبية والمصابين.. دبابات إسرائيلية تتوغل في غزة    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    خلال مشاركته في المؤتمر السعودي للقانون.. وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    أكد التزامها بالتنمية المستدامة.. وزير الخارجية: السعودية تترجم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لواقع ملموس    قبل لقائه المرتقب مع نتنياهو.. ترمب: فرصة تاريخية للإنجاز في الشرق الأوسط    الديوان الملكي: وفاة عبطا بنت عبدالعزيز    عسير: فرع هيئة الصحفيين ينظّم ندوة "الخطاب الإعلامي للوطن؛ بين ترسيخ الهوية وتعزيز القيم"    معرض الكتاب.. نافذة على عوالم لا تنتهي    أحمد السقا ينجو من الموت بمعجزة    الخريف يبدأ زيارة إلى هانوي.. تعزيز التعاون الصناعي والتعديني بين المملكة وفيتنام    مخالفو الصيد البحري في قبضة الأمن    صالات النوادي والروائح المزعجة    ورقة إخلاء الطرف.. هل حياة المريض بلا قيمة؟    ترمب يجتمع بكبار القادة العسكريين    السودان: 14 مليار دولار خسائر القطاع الصحي بسبب الحرب    التحالف الإسلامي يطلق دورة تدريبية لتعزيز قدرات الكوادر اليمنية في مجال محاربة تمويل الإرهاب    تقنية البنات بالأحساء تطلق المسابقة الوطنية للأمن السيبراني    مزاد نادي الصقور السعودي 2025.. خدمات متكاملة تعزز الموروث وتدعم الطواريح    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    حسام بن سعود يشارك منتسبي إمارة الباحة احتفالهم باليوم الوطني    نائب أمير الشرقية: مشروعات البيئة والمياه تحقق التنمية الشاملة والمستدامة    المتطوعون يشاركون في احتفالات أمانة الشرقية باليوم الوطني    السلامة الغذائية    استشاري أورام: مستقبل القضاء على السرطان مشرق    تمادي إسرائيل في حرب غزة ومقترح عماني يدعو لفرض العقوبات    منتدى فكر بجامعة جازان يناقش الوسطية والانتماء    الجوال أبرز مسببات الحوادث بالمدينة    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفل باليوم الوطني ال95    وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    بن شفلوت يرعى إحتفال اليوم الوطني في أحد رفيدة    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    الملك عبدالعزيز الوحدة والمنهج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغريدات لا تسقط الدول.. ولا المساحات تصنع السيادة
نشر في الوطن يوم 26 - 04 - 2025

في عالمٍ أصبحت فيه التغريدة وسيلة للتعبير، والمساحة الصوتية منبرًا للنقاش، تطورت أدوار المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما في منطقتنا العربية، إلى ما يشبه «الكيانات الرمزية»، التي تتعامل مع الشأن العام وكأنها جهة رقابية، أمنية، بل أحيانًا سيادية.
ولعل منصة «إكس» -تويتر سابقًا- تقدّم النموذج الأوضح لهذا التحول، حيث بتنا نرى من يظن أن تغريدة ساخطة أو وسمًا متداولاً يمكن أن يُقوّض أركان دولة أو يُهدد استقرارها.
هنا، لا بد من وقفة عقلانية تضع الأمور في نصابها، وتفكك هذا الوهم الجماعي المتضخم، الذي يخلط بين المشاركة الرقمية، وانتحال الأدوار الرسمية، بل وفي بعض الأحيان يتجاوز ذلك إلى المساس بثوابت السيادة الوطنية، وتهديد الوحدة المجتمعية.
الدولة ليست شاشة، والسيادة لا تُدار بالتفاعل
تقوم الدولة، كمفهوم سياسي وقانوني، على ثلاثة أركان رئيسية: الإقليم، الشعب، والسلطة السيادية. وهذا ما أقرته النظرية الكلاسيكية في القانون الدولي، وتدعمه الممارسات السياسية المعاصرة. وبالتالي، فإن من يتوهم أن منصات التواصل قد تُزعزع استقرار كيان بهذا العمق المؤسسي والشرعي، هو في الحقيقة غارق في فهمٍ سطحي لحقيقة الدولة الحديثة.
وقد نبّه الفقيه الدستوري «جان بودان» في أطروحاته المبكرة إلى أن «السيادة لا تتجزأ، ولا تُعار»، وهي مقولة تعني ببساطة أن لا فرد -مهما بلغ تأثيره- يمكنه أن يملك هذه السلطة أو يمثلها، لأنها لصيقة بجوهر الدولة ذاتها.
ومع اتساع نطاق الإنترنت، تراجع الفارق بين العالم الواقعي والافتراضي، لكن ظلت الشرعية القانونية والسياسية محفوظة للدولة ومؤسساتها، لا لوسوم المتداولين ولا لقوائم «الترند».. من مستخدم إلى «جهة تحقيق».. كيف وقع البعض في فخّ التمثيل الزائف؟.
يلاحظ في الآونة الأخيرة، خاصة في بيئتنا العربية، أن بعض المستخدمين لا يكتفون بإبداء الرأي أو التعليق، بل يتقمصون شخصية الدولة ومؤسساتها، فتراهم يحققون، ويتهمون، ويصدرون أحكامًا أخلاقية ووطنية، فقط لأن شخصًا ما خالفهم الرأي، أو لأنه شارك في «مساحة» ضمت أفرادًا لا يتفقون معهم سياسيًا أو فكريًا أو حتى اجتماعيًا.
هذا التحول الخطير، في جوهره، ليس إلا تمظهرًا رقميًا للاستعلاء المعرفي والسياسي، وهو سلوك ينعكس في علم الاجتماع السياسي كحالة من «التموضع القسري»، حيث يسعى الفرد لتوسيع نفوذه الرمزي على حساب صلاحيات المؤسسات.
وقد حذرت هيئة حقوق الإنسان السعودية في بيان سابق من خطورة «التحريض الرقمي وخطاب الكراهية عبر المنصات الاجتماعية».
مؤكدة أن تجاوز حدود الرأي الحر إلى الإساءة والتخوين يهدد التماسك الاجتماعي، ويتعارض مع مبادئ النظام الأساسي للحكم، الذي ينص في المادة (8) على أن «يقوم الحكم في المملكة على أساس العدل والشورى والمساواة».
المساحات.. منبر للنقاش أم ميدان لتصفية الحسابات؟
وُجدت «المساحات» على منصة «إكس» كأداة تتيح حرية التعبير والنقاش المباشر، وفتحت آفاقًا كبيرة أمام التفاعل المجتمعي في القضايا العامة، لكن، ما يحدث في الواقع أن كثيرًا من هذه المساحات انزلقت إلى مستنقع المهاترات، وتحولت إلى «منابر صوتية» يتم من خلالها تصفية الحسابات الشخصية، وإلباسها لبوس الوطنية أو المصلحة العامة.
في حالات متعددة، نجد أن الخلافات التي تنفجر داخل هذه المساحات لا تتعلق بقضايا جوهرية أو حقيقية، بل بخلافات على مواقف فردية، أو سوء تفاهم، أو حتى نزاعات شخصية مزمنة، ومع ذلك، يتم تضخيمها وتحويلها إلى «أزمة وطنية»، ويتصدرها من يتوهم أن صوته يعادل صوت مؤسسة أو جهة رسمية.
وهذا التوظيف المؤدلج للمساحات يشكل خطرًا مزدوجًا: من جهة، يُربك المشهد العام، ويشوّه صورة الحوار في المجتمع؛ ومن جهة أخرى، يخلق انطباعًا زائفًا عن طبيعة القضايا الوطنية، فيخلط الناس بين ما هو شأن عام، وما هو نزاع شخصي مُقنَّع.
حرية التعبير ليست رخصة للإساءة
لطالما كانت حرية التعبير من القيم الأساسية، التي تدافع عنها المجتمعات الديمقراطية والنظم السياسية المتزنة، لكن هذه الحرية، كما تشير المواثيق الدولية -ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19)- لا تعني حرية مطلقة، بل حرية مقرونة بالمسؤولية، أي أن الرأي، مهما كان ناقدًا، لا يجوز أن يتحول إلى وسيلة للتشهير أو وسيلة لإثارة الكراهية.
وفي السعودية، يشدد نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على أن كل محتوى إلكتروني يُستخدم للمساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة، يُعد جريمة يعاقب عليها القانون، هذا التحديد ليس تقييدًا للرأي، بل هو حماية للنسيج المجتمعي من الانزلاق نحو الفوضى، أو التشهير، أو التحريض على الكراهية.
ولعل الفرق الجوهري بين الرأي والتعدي، هو القصد والوسيلة. فالرأي يُطرح في إطار الاحترام، بينما التعدي يستخدم الإهانة كأداة للتأثير.
السيادة تُصان بالمؤسسات.. لا بالشعارات
الدولة، أي دولة، لا تحتاج من يحميها بالشعارات، بل تحتاج من يثق بمؤسساتها، فالثقة هي أساس العقد الاجتماعي، وهي ما يميز المواطن المسؤول عن غيره، أما من يظن أنه يقوم بدور الحامي، أو من يوزع صكوك الولاء، فهو لا يخدم إلا أجندة الانقسام، وإن ادعى غير ذلك.
في كلمته التاريخية أمام مجلس الشورى، قال خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله: «نحن نؤمن بحرية التعبير، لكننا نرفض كل ما يمس الدين أو القيم أو الوطن».
وهذا التوازن هو ما يجب أن يلتزم به كل مستخدم على المنصات الرقمية، فالوطن ليس ساحة استعراض، ولا الدولة حلبة مزايدات.
بالختام: دع الدولة تؤدي دورها.. وقم بدورك كمواطن مسؤول.
باختصار، ليس من دور المواطن أن يكون بديلاً عن الدولة، ولا أن يتحول إلى أداة تحريضية، ولا أن ينفخ في نار الفتنة ثم يزعم أنه يدافع عن الوطن، التغريدات لا تُسقِط الدول، والمساحات لا تصنع السيادة، والشتائم لا تصنع الولاء.
دع مؤسسات الدولة تؤدي واجبها، فهي تملك الرؤية، والأدوات، والقانون، واحتفظ بدورك كمواطن أو مستخدم مسؤول، يُسهم في بناء بيئة رقمية واعية، قائمة على الاحترام، والوعي، والقدرة على الاختلاف دون خصومة.
لأن الوطن لا يُبنى بالضجيج، بل بالثقة والاحترام والمشاركة الحقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.