المملكة تشارك في اجتماع لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض والتنمية المستدامة    ارتفاع وفيات سيول تكساس إلى 67 منهم 21 طفلا    سفير المملكة: ملتقى خريجي البلقان يعكس حرص القيادة على التواصل العالمي    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية المملكة المتحدة    رابطة دوري المحترفين تتولى الرقابة المالية للأندية    "أوقاف الخضير" تشارك في ملتقى القطاع غير الربحي بالتعليم 2025م    الهيئة السعودية للمياه تغلق عددًا من محطات تعبئة المياه المخالفة في الرياض    أمير القصيم يشكر القيادة بمناسبة تسمية مركز المؤتمرات بجامعة القصيم بأسم "مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات"    "البحر الأحمر الدولية" تُطلق تقريرها الموسَّع لحماية كنوز السعودية الطبيعية    التخصصات الصحية تعتمد برنامج دبلوم تمريض العناية القلبية في تخصصي تبوك    أمير القصيم يستقبل سفير موريتانيا ويشيد بجهود لجان العفو    هداية تواصل الأثر.. 18 ألف مستفيد و100 مسلم جديد في يونيو    أمير حائل يدشّن مبادرة "أبناؤنا بعيون الصحة"    215 ألف إجراء صحي في مركز المراقبة بمطار الأمير نايف خلال النصف الأول من 2025    أحداث تاريخية وقعت في جيزان.. معركة الضيعة وشدا    خطبة الجمعة القادمة عن التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة    أمير الشرقية يستقبل سفير مملكة تايلند ويشيد بجهود مكافحة المخدرات بالمنطقة    الشؤون الإسلامية في جازان تختتم الدورة العلمية في صامطة    الشؤون الإسلامية في جازان تناقش آلية تدريب الموظفين على الإسعافات الأولية    الأهلي يُعلن عن ودياته التحضيرية للموسم الجديد    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس جمهورية القُمر المتحدة بذكرى استقلال بلاده    2 مليون دولار تفصل وسام أبو علي عن الدوري القطري    تمكين الهمم يختتم عامه القرآني بحفل مهيب لحَفَظَة القرآن من ذوي الإعاقة    حرس الحدود‬⁩ في "الوجه" يحبط تهريب 26 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    كوكب الأرض يستعد لتسجيل مجموعة من أقصر الأيام لعام 2025    والدة المحامي حمود الحارثي في ذمة الله    ريال مدريد يكمل عقد نصف نهائي كأس العالم للأندية بثلاثية في شباك دورتموند    طقس الأحد.. - استمرار تأثير الرياح النشطة المثيرة للأتربة والغبار    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    بلاستيك إلكتروني صديق للبيئة    محادثات غير مباشرة في قطر وسط استمرار التصعيد الميداني في غزة    بلدية الخبر تطلق مشروع تطوير الخبر الشمالية    "الداخلية": ضبط 17.8 ألف مخالف في أسبوع    قواعد جديدة منها إغلاق المنشأة وإلغاء الترخيص.. غرامات تصل إلى مليوني ريال للمخالفات البلدية    1334 حالة ضبط في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    أكدت تمكينه وتوسيع أثره بالقطاعات الحيوية.. وزارة "الموارد": تنمية القطاع التعاوني للمساهمة في مستهدفات رؤية 2030    أكد أنها تعكس الالتزام بتحقيق أهداف التنمية.. البديوي: أجنحة دول التعاون في "إكسبو" تجسد الإرث الحضاري    "جوجل" تطلق"Veo 3″ لتوليد الفيديو بالذكاء    "الإيسيسكو" تبحث إنشاء منصات رقمية لتوثيق تراث المملكة    مسابقة لترشيح سعوديين ل«كأس العالم للحلويات»    يستعرض التطورات في المملكة خلال الأعوام الماضية.. «كنوز السعودية» بوزارة الإعلام تطلق الفيلم الوثائقي «الوجهة»    أوكرانيا تستهدف قاعدة جوية روسية    أكدوا مواصلة إيران للتخصيب.. قلق أوروبي من انهيار جهود استئناف المفاوضات النووية    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    تطوير التعاون مع صربيا وإندونيسيا في النقل الجوي    "صناعة الخوص ".. حرفة تقليدية حاضرة ضمن فعاليات بيت حائل    نادي الرياض يعين الإسباني"خافيير كاييخا"مدرباً للفريق الأول    ظهور نادر للفنان المصري عادل إمام بعد غياب طويل    "نيوم"يتعاقد مع الحارس البولندي مارسين بولكا    «فاكهة الصيف».. تعود للأسواق    الشؤون الإسلامية بنجران تغلق 460 بلاغاً    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسان: سيد العالم
نشر في الوطن يوم 27 - 01 - 2023

ها هو المسرح قد أعد بأناة وتبصر بالغين تمهيدا للدخول العظيم:
الإنسان سيد العالم، يأتي ليقف حرا، الحر الوحيد في هذا الكون الواسع، خالقاً للأفعال، مسؤولا، تتفجر طاقاته الكامنة بالقوة المكتسبة التي أضفاها عليه وعيه. ومن هذا الوعي سوف ينطلق إلى التحكم بالحياة، إلى إخضاع مسار العملية الاجتماعية للعقل.
إن نظرية النظام في (الكون) تتجسد بأروع صورها: الإنسان يتحرك بالإنجازات المأمولة أكثر مما يستجيب لمعطيات عصره. إنه يخترق كل الكيانات الطبقية الثابتة، المواضعات المحنطة، التي يكبل نفسه بها ليمتلك حريته كاملة، ليفتح الطريق لمجيء مجتمع جديد، يكون فيه هو سيده: المجتمع الصناعي.
ان إذلاله بالعمل اليدوي قد شارف على النهاية، وفي الأفق القريب تتحدد ملامح الحياة التي تقوم فيها الآلة مقام الجهد العضلي وتفسح للإنسان المجال لأن يعمل العمل الوحيد الذي يتفق معه: العمل العقلي والاستمتاع بالحياة.
إن لوحات عصر النهضة التي يستولي فيها الجسد الإنساني المليء بالشبق وحب الحياة وبخصب المعاناة والتوتر على معظم مساحة اللوحة، دافعاً الموجودات الأخرى إلى الوراء، والتي أستعيد فيها المنظور ليبدو الجسد الإنساني بكل أبعاده، وبإرهاصه بالحركة.
هذا المنظور الذي انعدم في عهد السيطرة الكنسية، حيث كان الإنسان ذا بعدين وحسب، صورة شبحية، محاطة بهالة قاتمة تختنق داخلها تعبيرات الوجه... إن أفكار فلاسفة عصر التنوير المؤكدة لقيمة الوعي والمعرفة - والتي كانت تعتبر أن تقدم الإنسانية هو تطور العقل في التاريخ.
إن التعبير الرومانسي عن الفرح بالحياة، كل ذلك وغيره قد لقي تجسيداً مبكراً وشجاعاً في المذهب المتماسك الذي وضعه إبراهيم بن سيار النظام. وإذا كان حلم الإنسان في حياة جديدة - في مجتمع صناعي قد وجد تعبيراً رصيناً في فكر النظام، فهو قد اتخذ في الحكايات الشعبية طابعاً معربداً، جامحاً، لم يستطع الإرهاب والبطش أن يسلس قياده. فشاع الأدب - أو على الأقل بدأت إرهاصاته الأولى - الذي يحكي عن أولئك الرجال الجسورين الذين شقوا طريقهم في الحياة بذكائهم وبراعتهم، وعن تلك الأبسطة السحرية التي يمتطيها الإنسان ويوجهها حيث يشاء، وعن تلك الطيور المهولة التي تنتزع الإنسان من بؤس الفقر إلى قصور مليئة بطيبات النساء ومتعها، وعن ذلك المارد الذي كان يستطيع أن يسحق مدينة بأكملها، ولكنه يأتي إليك بمجرد أن تفرك خاتمك ليقف مطيعاً، رقيقاً، مهذباً وينحني لك ويقول بصوت خاشع:
- «شبيك لبيك، عبدك بين يديك».
رافق ذلك حركة تشكيلية نشطة، اقتحمت طريقها وسط استنكار قوي. إن تصوير الجسد الإنساني كان خطوة هامة في وعي الإنسان لذاته، من حيث دلالته على هذا الوعي، ومن حيث الأثر الذي يحدثه هذا التصوير.
وتواكبت مع هذا قيام انتفاضات شعبية واسعة ومنظمة ذات فكر متقدم، طرحت قضايا الإنسان في المجتمع بشكل جذري، متجاوزة في هذا الطرح كل معطيات الواقع الراكد. لقد نادت بالمساواة بين المرأة والرجل. ومن الأمور التي تستحق الاهتمام أن البرنامج التثقيفي لهذه الحركات كان موسوعة فلسفية تحتوي على إنجازات العقل الإنساني في جميع الحقول، والواقع أنني أذكر هذه الحقائق حتى نرى الأهمية البالغة الدلالة لصياغة النظام فكرة حرية الإنسان بسبب كونه يملك جسداً. فهو يرى أن الكائن الوحيد في الكون الذي يملك حرية الاختيار هو الإنسان لأنه يملك جسداً. فيقول:
إن سبيل كون الروح في هذا البدن على جهة أن البدن آفة عليه وباعث له على الاختيار، ولو خلص منه لكانت أفعاله على التولد والاضطرار».
أي أن كل ما عدا الإنسان يسير وفقاً لقوانين الحتمية التي لا يستطيع منها فكاكاً، لأنه لا خيار له إلا أن يفعل ما فعل.
أما العالم المادي فهو يسير حسب إيجاب الخلقة، أي حسب قوانين الحركة الموضوعة فيه. فلا يبقى حر سوى الإنسان.
إن التأكيد على الإنسان كجسد هو تعبير عن بداية إحساس الإنسان بنفسه كفرد متمايز عن مطلقات الجماعة - القبيلة - البلدة - الطبقة الخ... قادر على أن يشرع لذاته، وأن يكون في موقف البطولة الفردية القادرة على أن تحرك العالم، وأن يحس بجسده من خلال استغراق حسي في اللحظة المعاشة.
وسوف نفصل هذه المعطيات الثلاثة لنشوء الفرد المستقل. ولكن قبل أن نفعل ذلك أود أن أشير إلى أنه من حيث الخطوط العامة، فإن هذه المعطيات تتشابه في خطوطها العريضة مع النظرة للإنسان كفرد في مرحلة نشوء البرجوازية الأوروبية.
الإنسان كمشرع لذاته: سوف أورد هنا ما قلته في مقال لي عن «حلم المدينة الفاضلة في الفكر الإسلامي» حول هذا الموضوع:
العقل هو أسمى «وسائل للحكم على الأشياء، وللتوصل إلى المعرفة. وهنالك نص بالغ الدلالة في كتاب (كليلة ودمنة) ونعني به (باب برزويه).
ففكرت في ذلك. فلما خفت من التردد والتحول، رأيت ألا أتعرض لما أتخوف منه المكروه، وأن أقتصر على عمل تشهد النفس أنه يوافق...».
وفي قصة (المصدق المخدوع) في (كليلة ودمنة) يدعو ابن المقفع بحرارة إلى الكف عن (الإيمان بما لا تعرف والتصديق بما لا تعقل).
يبدو هنا جلياً دينامية المجتمع التجاري، الذي كان في طريقه إلى الصناعة، في تنظيم المجتمع على أسس عقلانية تنطلق من كون الإنسان مشرعاً لذاته، يحدد مصيره اختياره الحر، المبني على تحكيم العقل.
التعبير البطولي:
لقد عبر الشعر في هذه المرحلة عن شخصية بطولية لها ملمحان رئيسيان:
تدمج الشجاعة الأول: البطل الشامل، ذاك الذي يجمع بين صفات إيجابية متعددة، والأقدام بالتعمق في المعرفة، والجسارة بالإمساك بدروب العالم.... ذاك الذي يحرك العالم بكفاءاته ووعيه. نستطيع أن نعطي أمثلة كثيرة على ذلك من أبي تمام والمتنبي.
يقول أبو تمام:
سيبتعث الركاب وراكبيها
فتي کالسيف هجعته غرار
أطل على كل الأفاق حتى
كأن الأرض في عينيه دار.
1977*
* كاتب وصحافي أردني «1932-1989»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.