معظمنا قرأ قصة الدواء الهندي للسعال، والذي تسبب بموت سبعين طفلاً في غامبيا، وهناك شكوك بأن يكون هو المتسبب أيضاً، بوفاة 130طفلاً في إندونيسيا أصيبوا بالفشل الكلوي، رغم أنه لم يسجل دخول أي مُنتج للشركة الهندية المتورطة بتلوث المنتج الدوائي إلى اندونيسيا، كما أفاد رئيس وكالة الغذاء والدواء الإندونيسية، ومن المستبعد - بالطبع - أن يُباع علاج بصورة قانونية إذا لم يكن مُسجلاً، ولكن من الغريب أنهم وجدوا أدوية السعال الملوثة في منازل بعض الأطفال المتوفين، أو بمعنى آخر هناك أدوية تُباع بصورة غير قانونية، وهذا بحد ذاته مخيف، وهنا يصدق حدس منظمة الصحة العالمية بأن تكون هذه الأدوية قد تسربت، عبر أسواق غير نظامية، إلى بلدان أو أقاليم أخرى غير غامبيا، بينما أنكرت الشركة ذلك. سمية هذه الأدوية ناتجة عن وجود مادتي جلايكول ثنائي الإيثيلين و جلايكول الإثيلين، وهما مادتان تسببان اضطرابا في المخ والأعصاب، هبوطا في الدورة الدموية والتنفسية، وفشلا كلويا حادا، مما يتسبب في الوفاة. هؤلاء الأطفال ليسوا أول ضحايا هاتين المادتين السامتين، بل تكرر الحدث في الهند، ففي عام 1972 قضت على قرابة 15 طفلاً في مدينة مدراس أو ما تُسمى تشيناي الآن، و مات 14 طفلاً عام 1986 بسببهما، وفي عام 1988 تسببتا في وفاة 11 طفلاً، ومابين عامي 1998 حتى عام 2019 ذهب ضحية هاتين المادتين قرابة 44 طفلاً في أماكن متفرقة من الهند. هذه المواد تدخل في صناعة أشياء كثيرة ما عدا أدوية السعال، لكنها تلوثت بها. لم تتسرب هذه المواد السامة لأدوية الهند وحدها، بل حدثت من قبل في أمريكا ايضاً، كأول كارثة دوائية في القرن العشرين. ففي خريف عام 1937، تسمم قرابة 100 شخص ما بين أطفال وبالغين، نتيجة تناول دواء لعلاج أعراض الزكام والتهاب الحلق، وأظهرت تقارير التشريح لبعض جثث المتوفين وجود تورم وتشوه في الكلى، نتيجة وجود جلايكول ثنائي الإيثيلين في دواء الزكام Elixir Sulfanilamide، حيث لم يجر أي اختبار على الدواء، للتأكد من سلامته قبل طرحه في الأسواق من قبل الشركة المصنعة. سحبت بعدها هيئة الدواء والغذاء الأمريكية الدواء من الأسواق، وأجرت كثيرا من التعديلات على قوانينها عام 1938، و وضعت آلية لما قبل التسويق، والتي تسمح لهيئة الغذاء والدواء بالحكم على سلامة وفعالية الأدوية، قبل أن تسوق بشكل قانوني، ووضعت معايير لصرف بعض الأدوية، فكانت الكارثة التي تولدت عنها قوانين هيئة الدواء والغذاء الأمريكية، والتي يتبعها العالم أجمع حتى اليوم. ومن أمريكا إلى شوارع بانكوك في تايلند، حيث يبيع أصحاب الأكشاك وبعض الباعة المتجولين، أدوية مغشوشة، غير مرخصة، ومن بينها الفياجرا، وبعض العقاقير الأخرى، وترى منظمة الصحة العالمية أن الأدوية المقلدة والمغشوشة، تمثل تهديدا متزايدا، لنمو تجارة الأدوية، ومن بينها مبيعات الدواء على الإنترنت، وهذا يتيح الفرصة لدخول هذه الأدوية غير المرخصة. وحسب تحليل أجرته منظمة الصحة العالمية، لمئة دراسة في الفترة من 2007 إلى 2016 غطت أكثر من 48 ألف عينة دوائية، أظهرت أن %10.5 من الأدوية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، إما مغشوشة أو غير مطابقة لمواصفات الجودة. لذلك لا تبحث عن دواءٍ أقل كلفة، فمن الممكن جداً أن يكون مغشوشاً، ولا تشتري من شبكة الإنترنت علاجاً تجهله، حتى كريمات التجميل غير المصرحة لها نتائج كارثية. أكثر الأدوية التي من الممكن أن يُساء استخدامها، فتؤثر في الصحة، هي تلك الأدوية التي لا تحتاج لوصفة طبية لصرفها، فيسهل الحصول عليها، كأدوية السعال والمسكنات والمنشطات الجنسية، مهما كان الدواء آمنا، إلا أن الإسراف في استخدامه قد يؤدي إلى التهلكة. كانت هناك أم كلما ارادت أن ينام طفلها مبكراً، أعطته دواء الكحة الذي يسبب النعاس، وفي مرة نام ولم يصح، هي لم تقصد ذلك، لكنها أساءت استخدام الدواء. ليست الأدوية المغشوشة والملوثة فقط هي التي تقتل، بل حتى تلك الأدوية الآمنة إذا ما أسأنا استخدامها.