الأحمدي: وثيقة مهمة ترسم ملامح السياسة العامة    السلمي: خارطة طريق لسياسة المملكة الداخلية والخارجية    المطيري: الخطاب الملكي يجسد دعم القيادة للتنمية المستدامة    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    اليابان.. استئجار المرعبين لحل المشاكل    مرتكبا الصيد دون ترخيص بقبضة الأمن    أكد أن هجوم إسرائيل عمل إجرامي.. ولي العهد لتميم بن حمد: المملكة تضع كافة إمكاناتها لمساندة قطر في حماية أمنها    أكد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهته.. رئيس وزراء قطر: العدوان الإسرائيلي «إرهاب دولة»    المملكة تدين وتستنكر الاعتداء الغاشم والانتهاك السافر لسيادة قطر.. إسرائيل تستهدف وفد حماس في الدوحة    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    «براق» تحقق ثاني كؤوس مهرجان ولي العهد للهجن للسعودية    كلنا خلف الأخضر للمونديال    رقابة مشددة على نقل السكراب    التعثر الدراسي .. كلفة نفسية واقتصادية    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    رجوع المركبة للخلف أكثر من 20 مترًا مخالفة    القبض على مروّج للقات    ضبط 20882 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    مونديال الأندية تابعه 2.7 مليار مشجع.. وحضور قياسي للهلال    قطر تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها لن تتسامح مع «السلوك الإسرائيلي المتهور»    إبداع شبابي    تاريخ وتراث    الاتفاق يجهز ديبملي    فرنسا تهزم أيسلندا بعشرة لاعبين وتعزز حظوظها في بلوغ مونديال 2026    قطر تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها لن تتسامح مع "السلوك الإسرائيلي المتهور"    شراكة سعودية - صينية في صناعة المحتوى الإبداعي بين «مانجا» للإنتاج و«بيلي بيلي»    "لجنة الإعلام والتوعية المصرفية" ترفع الوعي المالي لدى منسوبي وزارة الرياضة    مصر ترفض الهيمنة الإثيوبية على النيل    منح العلا    احتجاجات نيبال: من حظر وسائل التواصل إلى أزمة سياسية أعمق    الاثنين انتهاء حظر العمل تحت أشعة الشمس    نائب أمير تبوك يستقبل مساعد وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للخدمات المشتركة    رسالة من رونالدو إلى أوتافيو بعد رحيله عن النصر    تعزيز الابتكار في خدمات الإعاشة لضيوف الرحمن    بي أيه إي سيستمز تستعرض أحدث ابتكاراتها في معرض DSEI 2025    مجلس الوزراء: نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر تخطت مستهدفات 4 سنوات متتالية    استشهاد رجل أمن قطري في الهجوم الإسرائيلي على الدوحة    اليوم العالمي للعلاج الطبيعي.. الشيخوخة الصحية في الواجهة    ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بأمير دولة قطر    بدء فعاليات مؤتمر القلب العالمي 2025 يوم الخميس بالرياض    "البيئة والزراعة" تنفّذ ورشة عمل لتدوير المخلفات الزراعية في بقعاء    ‏أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لأعمال الجوازات بالمنطقة    أمير المدينة يفتتح ملتقى "جسور التواصل"    ولي العهد يلقي الخطاب الملكي في مجلس الشورى غدا    فييرا: "السعودية مركز عالمي للرياضات القتالية"    نائب أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الزامل    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    140 ألف دولار مكافأة «للموظفين الرشيقين»    عندما يكون الاعتدال تهمة    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    يوم الوطن للمواطن والمقيم    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    صحن الطواف والهندسة الذكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعوبية في التاريخ العربي
نشر في الوطن يوم 31 - 01 - 2020

كلمة الشعوبية اصطلاح تاريخي نشأ في العصر العباسي الأول بتأثير ظروف تاريخية معينة، حين اشتد الصراع السياسي بين العرب وسائر العناصر غير العربية ولا سيما الفرس منهم.
والكلمة منسوبة إلى الشعوب، فقد كانت تشير في البدء إلى أصحاب النزعة القائلة بأن «الشعوب» جميع الشعوب سواسية، ولا فضل لشعب أو أمة على شعوب أو أمم أخرى.
ولذلك كان يطلق أيضا على أصحاب هذه النزعة، في مبدأ أمرها، اسم «أهل التسوية»، لقولهم بالتسوية بين جميع الشعوب.
فنزعة «الشعوبية»، بمعناها هذا، نشأت بمثابة «رد فعل» لنزعة مقابلة كان شعارها «العرب خير الأمم».. ولذلك كان أول شعار رفعته الشعوبية عند أول ظهورها، هو القول بأن «العرب ليسوا أفضل الأمم»، ويبدو حتى الآن أن «الشعوبية» بهذا المعنى ليست مما ينكره العقل، بل هي فرية لمنطق العقل والعلم معا. فالقول بتسوية الشعوب، مبدئيا، هو الصحيح، من حيث تساويها جميعا في قابلياتها الإنسانية للتطور والتقدم.
ولكن القول بالتسوية إذا أخذناه بإطلاقه كما أخذته الشعوبية «يكون غير صحيح في منطق العقل والعلم». لأن التسوية بالقابليات الفطرية لا تعني التسوية دائما، فإن الخصائص الإقليمية والظروف التاريخية لكل شعب قد تدفع شعباً ما في طريق التطور الحضاري أشواطاً، تبعد به عن كثير من الشعوب الأخرى التي لم تساعدها ظروفها على السير في تلك الطريق.
رغم ذلك كان يصح أن نتقبل شعار «الشعوبية» الأول القائل بعدم أفضلية العرب عل غيرهم، لو أنهم اكتفوا، يومئذ، بهذا الشعار، ولم تتطور نزعتهم إلى أبعد من ذلك، حتى رفعوا شعارا آخر مناقضا لمبدأ «التسوية» أساسا، وهو القول بأفضلية الأقوام الأخرى على العرب.
في هذه المرحلة التي وصلت إليها نزعة «الشعوبية» إلى مرحلة التعصب العنصري ضد العرب، انقلبت من نزعة مقبولة، نوعا ما، إلى نزعة متطرفة ينكرها العقل والعلم، بقدر ما ينكرها الدين الإسلامي الذي كانوا يحتجون به، أول الأمر، لقوله بأن «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» ولقوله. «إن أكرمكم عند الله اتقاكم».
فنزعة الشعوبية إذن، قد مرت، تاريخيا، بمرحلتين: مرحلة كانت تقول فيها ب«التسوية» بين الشعوب، ومن هذا المعنى انبثق اصطلاح «الشعوبية».. ومرحلة تجاوزت فيها القول «بالتسوية» إلى القول بعكسها تماما، أي أصبح تعبيراً مجازياً، من باب تسمية النقيض باسم نقيضه، كما كانت العرب تسمي الأعمى «بصيرا»... وعلى هذا تكون «الشعوبية» في مرحلتها الثانية، أجدر بأن تسمى عنصرية أو شوفينية، أو ما هو قريب إلى معنى الفاشستية في عصرنا، وتلك هي «الشعوبية» البغيضة في التاريخ العربي، بل في تاريخ الحضارة البشرية الفكرية.
قلنا إن الصراع السياسي هو الذي كان منشأ هذه النزعة الرجعية البغيضة..
ونقصد بهذا القول أن الصراع بين «العرب والموالي» لم يكن في أسبابه وعوامله وأهدافه الأولى مجرد صراع عنصري، وإن اتخذ وجهاً عنصرياً حاداً في الظاهر، أو تحول بعد ذلك إلى موجة عنصرية جارفة.
فالواقع أنه في أسبابه وعوامله وأهدافه صراع بين سياسيين، لا بين عنصر وعنصر.
صحيح أن النظرة إلى «الموالي» في العهد الأموي، كانت تصطبغ بواجهة عنصرية، ولكن منشأها كان أولا: العصبية القبلية الضيقة.. وثانيا: نظرة الغالب السياسي والعسكري للمغلوبين، وهي نظرة قد تكون من جماعة في هذا العنصر إلى جماعة من العنصر نفسه، حين يحدث الخصام المسلح بينهما فتغلب إحداهما الأخرى.
ولذلك نرى الصراع بين العرب و«الموالي» لم يكن من الحدة في العهد الأموي كما كان في العهد العباسي.. ذلك أنه لم يصل إلى صراع سياسي، إذ كانت الدولة الأموية تقوم على مبدأ إبعاد «الموالي» عن المراكز الحساسة، وكان «الموالي» من الضعف تجاه الدولة إلى حد أنهم لم يكونوا يطمعون، أو يطمحون، إلى تلك المراكز فأقاموا على هذا الحرمان قانعين أول الأمر، ثم حاقدين في أواخر العصر الأموي حقدا شديدا، أخذ يتخذ أسلوب العمل السري لهدم الدولة التي تحرمهم ما ينشدون من مكانة في مؤسساتها. وذلك يعني ما قلناه من أن الأغراض السياسية لطلاب المناصب والمنافع هي التي كانت مصدر تلك النزعة العنصرية التي اصطلح على تسميتها ب «الشعوبية».
حقيقة كبيرة يجدر بنا أن نعترف بها هنا، وهي أن جميع الإساءات التي وجهتها «الشعوبية» الرجعية إلى التراث العربي لم تستطع أن تنال من هذا التراث ولا سيما اللغة العربية، فقد بقيت سليمة نقية، لقد كانت العربية وتراثها الأدبي والعلمي، أقوى من أن تؤثر فيها حركة التشويه والتزييف الشعوبية. وبهذه القوة الخارقة اجتازت تلك المحنة.
*1085
* كاتب وباحث لبناني «1910-1987»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.