الذهب يرتفع لأعلى مستوى.. والأسهم العالمية تنخفض    موقع حائل الاستراتيجي ميزة نسبية يجذب الاستثمار    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    المرور: الالتزام بقواعد السير لحياة أكثر أمانًا للجميع    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    «إسرائيل» تستهدف مواقع حوثية في صنعاء    تدريبات جوية صينية - مصرية    إنتر ميلان يقهر برشلونة ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    ظروف النصر تغري الاتحاد في «الكلاسيكو»    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    الأهلي بطلاً لكأس وزارة الرياضة لكرة السلة    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    ولي العهد يوجه بالعمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    «سفراء» ترمب في هوليوود    "البحوث والتواصل" يشارك في المنتدى الصيني - العربي    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة    اقتصاد متجدد    السودان: «الدعم» يهاجم بورتسودان ويشل المساعدات    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    انتعاش الناتج الإجمالي النفطي لدول الخليج في 2026    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    المسيرات تغرق بورتسودان في الظلام    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    سرك في بير    هيئة الصحفيين تنظم ورشة عمل " الذكاء الاصطناعي وتفعيل القوالب الصحفية "    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    موقف برونو فيرنانديز بشأن رغبة الهلال في ضمه    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية        مذكرة تفاهم بين الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد وشركة آبفي وشركة النهدي الطبية    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    زخة شهب إيتا الدلويات تزين سماء العالم العربي الليلة    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    حوار المدن العربية الأوروبية في الرياص    جمعية الوقاية من الجريمة «أمان»    "مايكروسوفت" تعلن رسمياً نهاية عهد "سكايب"    "المالية" معلنة نتائج الميزانية للربع الأول: 263.6 مليار ريال إيرادات و322 ملياراً مصروفات    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    ضمن رؤية إستراتيجية تكرّس الوجود في القطاع.. إسرائيل.. من التوغل المؤقت للاحتلال الكامل لغزة    المملكة تختتم مشاركتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز إبداعات الفنون التقليدية    دعوة لدمج سلامة المرضى في" التعليم الصحي" بالسعودية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    ممنوع اصطحاب الأطفال    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتسللون الفلسطينيون من قطاع غزة
نشر في الوكاد يوم 22 - 07 - 2016

كنا قد تحدثنا سابقا"المتسللون الفلسطينيون إلى قطاع غزة" عن الأزمة الأخلاقية التي تواجه السلطات الأمنية إزاء المواطنين الفلسطينيين الذين يتسللون إلى قطاع غزة، الذي هو جزءٌ عزيزٌ من وطنهم، وقطعة غالية من بلادهم، ورأينا أنه بغض النظر عن بعض الحوادث الأمنية التي يعمد إليها البعض بدفعٍ وتوجيهٍ من المخابرات الإسرائيلية، فإنه ينبغي التعامل مع هذه القضية بالكثير من الحيطة والحذر، والحرص والمسؤولية والدقة والاتزان، والتعامل مع كل قضية على حدة، لأن الأصل في الأشياء الحل، والأصل في المواطنة هو الحق في التنقل الحر بين كل أرجاء الوطن الواحد، وبالتالي لم تستوقفنا حوادث التسلل العديدة كثيراً، لأننا نراها ضمن السياق الطبيعي والسلوك الوطني، خاصة بعد الحروب الطاحنة التي شهدها القطاع، ورغبة المواطنين الفلسطينيين في زيارة غزة والتضامن مع أهلها.
أما الآن فنحن أمام مسألةٍ أخرى وظاهرةٍ مختلفةٍ، قد لا يبدو في أغلبها البراءة والطهر، كما كان ذلك في نقيضها، فهي مثيرة في معظمها للشبهة والريبة والشك، ولا تبعث على الطمأنينة والارتياح، إذ أنها عملياتٌ مخزية وأفعالٌ معيبةٌ، يخجل منها فاعلوها، ويستحي منها مرتكبوها، الذين يقومون بها خفيةً بالليل والنهار، ويتسللون بصمتٍ ويتوارون عن الأنظار خوفاً من العيون الفلسطينية التي قد ترقبهم لئلا يكشف أمرهم ويفضح سرهم، وإن كانوا لا يخشون أن يكشف العدو أمرهم أو أن يعلم بشأنهم.
أغلب هذه الفئة من المتسللين هم ممن ينوون تسليم أنفسهم للعدو، إذ لا يستطيع أحدهم اجتياز الحدود والمرور على الحواجز الأمنية إلا إذا سلم نفسه للعدو، الذي يقوم بدوره بتوقيفه ودراسة حالته، فإن كان قادماً للتعاون والارتباط فإنه يخفي أمره، ويدرس حالته، ويقرر فيها فيما بعد.
أما إن كان قد تسلل هرباً من ضائقةٍ، أو فراراً من أزمةٍ فإن العدو في الغالب يقرر إعادته، ولا يتحمل مسؤوليته، ولا يقوم بمساعدته، إلا إذا قرر ابتزازه والضغط عليه لربطه معه والاستفادة منه، وغالباً يكون هذا النوع من المتسللين ضعيف النفس فاقد الثقة، يقبل بأي عرض، ولا يقوى على مواجهة أي ضغطٍ أو إكراه، فضلاً عن استعداده للخضوع للإغراءات والفتن، وقبوله للارتباط والتعاون، علماً أن مخابرات العدو تكاد تعرف جميع سكان القطاع وتصنفهم، وتميز بينهم وتعرف اتجاهاتهم، وتقرر في نواياهم ومقاصدهم لمعرفتها المسبقة بخلفياتهم وانتماءاتهم.
أما إن تبين من خلال التحقيقات أو من المظهر العام للمتسلل، أو لنوعية الأشياء التي يحملها، كالأسلحة والمتفجرات والوصايا والمصاحف، وغير ذلك مما يدل على نيته ويكشف عن حقيقة هدفه، فإن جيش العدو يوقفه ويعتقله، وقد يشتبك معه ويقتله، فإن اعتقله فإنه يخضعه للتحقيق ويعرضه للمحاكمة، وغالباً ما تفرض المحاكم العسكرية الإسرائيلية على هذا النوع من المتسللين أحكاماً قاسية، تكون عقاباً لهم ودرساً وعبرة لغيرهم.
علماً أن هذا النوع من المتسللين بات نادراً وقل أن يحدث إلا في أوقات الحرب والقتال، وأثناء المواجهة ومحاولات المناورة والالتفاف خلف خطوط العدو لمفاجئته ومباغتته، وإرباكه وضعضعة صفوفه، لكن إجراءات العدو الأمنية وترتيباته العسكرية تجعل هذا النوع من العمليات صعبة، إذ فضلاً عن العقبات والصعاب فإنها تتمكن من إجهاضها وإفشالها، وذلك بالاستناد إلى القدرات التكنولوجية والتقنية الحديثة التي تستخدمها في أعمال الرصد والمتابعة والاستكشاف المبكر.
إلا أن العدو في غالب الأحيان لا يرضيه أن يتسلل عملاؤه من قطاع غزة، إذ أنه في حاجةٍ لهم في داخل القطاع، ليكونوا عيوناً له يرصدون ويراقبون وينقلون له المعلومات، ويحذرونه وينبؤونه بتحركات المقاومة ومشاريعها، وأسماء نشطائها وأماكن تواجدهم، وبالتالي فهو ليس في حاجةٍ لهم خارج القطاع، إذ سيكونون عبئاً عليه ومسؤولين منه، ولهذا فهو يعمد في مثل هذه الحالات إلى اعتقالهم ومحاكمتهم لينفي عنهم صفة العمالة، حتي يسهل عليهم العودة إلى القطاع بعد الإفراج عنهم لمواصلة عملهم واستئناف تعاملهم.
رغم أن الصورة في مجملها واضحة، لا تحتاج إلى عظيم جهدٍ للحكم عليها بأن أغلب الذين يلجأون إليها ويقومون بها ليسوا أبرياء، وأنهم إما عملاء قدامى يخشون انكشاف أمرهم وانفضاح ارتباطهم، فيعجلون بالهرب، ويسرعون بتسليم أنفسهم للعدو ظناً منهم أنه سيحميهم، وأنهم سيجدون عنده الأمن والسلامة والأمان، وأنه سيكافؤهم على نهاية الخدمة إحساناً وعرفاناً، أو أنهم جهلاء يرغبون في العمالة، ويتطلعون للتعاون مع العدو، لضعفٍ في نفوسهم، أو مرضٍ في قلوبهم، واعوجاجٍ في أخلاقهم.
لكن هذه الفئة الضالة لا تنفي وجود فئاتٍ أخرى من اليائسين المحبطين من سوء الأوضاع العامة، وتردي الحياة المعيشية، والبطالة وضيق ذات اليد، والإحساس بالظلم والمعاناة من القهر، والشكوى من التفرقة والمحسوبية والمحاباة وعدم المساواة، فضلاً عن الذين يعانون من أمراضٍ نفسيةٍ وعصبيةٍ، ويشكون الحاجة وعدم القدرة، التي تنعكس نزاعاً في البيوت، وتفسخاً في الأسر، وطلاقاً بين الأزواج، أو انتشاراً للسرقة والجريمة، فضلاً عن الأحلام والطموحات بالغنى السريع والأمل في العلاج من المرض، أو استكمال الدراسة، أو ضمان السفر، وغير ذلك مما يشكو منه سكان قطاع غزة.
أمام مظاهر التسلل والهروب المختلفة من قطاع غزة تجاه العدو، سواء السوداء القاتمة المتمثلة في العمالة الواضحة، وتلك التي تنم عن الضعف والجهالة، فإنه ينبغي على السلطات الحاكمة أن تتعامل مع هذه الظواهر بحكمةٍ أكبرٍ ومسؤوليةٍ أشد، بحيث تحقق علاجاً لها ووقايةً منها، ففي الوقت الذي ينبغي عليها فيه محاربة العملاء والتضييق عليهم، واعتقالهم ومحاكمتهم، والحيلولة دون هروبهم، فإنها معنية أيضاً بدراسة أحوال المواطنين والتعرف على مشاكلهم، وانتشالهم مما هم فيه من يأسٍ وضيقٍ وفاقةٍ، وأن تقف إلى جانبهم في ملماتهم وأحزانهم، وأن تحسن إليهم، وأن تساوي بينهم قبل أن تحكم عليهم وتعاقبهم.
ينبغي التوقف ملياً أمام هذه الظاهرة الخطيرة المريضة، إذ أنها لا تنم عن خيرٍ أبداً، بل إنها تكشف عن عيوبٍ وأمراضٍ وأدواءٍ مجتمعيةٍ خطيرةٍ جداً ينبغي مواجهتها والحد منها، وعلاجها بحزمٍ وحكمةٍ، وينبغي قبل ذلك وقاية المجتمع منها ومحاربة أسبابها، ذلك أن العدو الصهيوني معنيٌ ببعضها أحياناً، فهي ظاهرةٌ تفسخ المجتمع وتضعفه، وتمزق نسيجه وتزرع في صفوفه الفرقة والانقسام والشك والريبة وعدم الثقة.
بيروت في 20/7/2016


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.