«نبني مهاراتهم» مبادرة من بيت الشاورما وجمعية إنسان تحت شعار «الخير في بيتنا»    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيطالي العلاقات الثنائية    التجارة تُشهِّر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر في المقاولات    الأمير خالد بن سلمان يبحث التعاون الدفاعي الخليجي في الكويت    الشؤون الإسلامية في جازان تُشارك في اليوم العالمي للطفل    البيت الأبيض: ترامب لا يزال متفائلا بشأن خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا    وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 22 لمجلس الدفاع الخليجي المشترك    القيادة تهنئ رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك بذكرى اليوم الوطني لبلاده    الأفواج الأمنية بجازان تُحبط تهريب 68 كيلو جرامًا من مادة الحشيش المخدر    اتفاقية صحية لرفع جاهزية بنوك الدم وتوسيع نطاق حملات التبرع    أمير الشرقية يستقبل وفود هيئة الربط الكهربائي ومنتجي الدواجن والاتحاد العربي لكرة اليد وجمعية الذوق العام    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    مركز الملك سلمان للإغاثة يُنظِّم معرضًا لإبراز الجهود الإنسانية للمملكة في اليوم العالمي للتوائم الملتصقة بنيويورك    بنك التنمية الاجتماعية بخميس مشيط في زيارة لجمعية البر بأبها    وزير الدفاع يصل الكويت لرئاسة وفد المملكة في اجتماع الدفاع الخليجي المشترك    نمو الصادرات السعودية غير البترولية بنسبة 21.7%    تكريم متطوعي "الأحساء تستاهل" للتراث العالمي    الجوازات تصدر 25,646 قرارا إداريا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    ريمار تختتم مشاركتها في سيتي سكيب العالمي 2025 بإطلاق هويتها الجديدة وتوقيع شراكات دولية    رئيس وزراء تايوان: "العودة" للصين ليست خيارا للشعب التايواني    كراسنودار الروسية تتعرض لهجوم "ضخم"    روسيا تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي    اختفاء نجم من السماء مساء الأمس لمدة 28 ثانية    الأطفال يتابعون الصقور عن قرب    الإرهابي والعلاقات السعودية الأمريكية    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    الأسواق الرقمية تستجيب لتوقعات خفض الفائدة    ليلة السقوط الآسيوي للاتحاد والأهلي    الجوف.. مواقع تاريخية تجذب الزوار    117 دقيقة لأداء العمرة    الخريف في فعاليات يوم الاستثمار والشراكات ل "اليونيدو" يؤكد ريادة المملكة الصناعية عالميًا    زراعة أصغر منظم قلب لمولودة تزن 2 كجم    من السويد إلى قطاع غزة.. وثائق جديدة تكشف مسارات تبرعات «الإخوان» المشبوهة    تقويم التعليم تطلق الرخصة المهنية للمدربين    تطبيق الGPS.. ماله وما عليه    ميسي يتألق ويقود ميامي لنهائي المنطقة الشرقية    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    «عدالة التحكيم وتأخر التجديد في الهلال»    إقالات داخل الجيش الإسرائيلي.. الاحتلال يجدد القصف على خان يونس    بعد مقتل الطباطبائي وأربعة من مرافقيه.. استنفار بإسرائيل واحتمالات مفتوحة لرد حزب الله    عمار يا دمشق من غير إيكوشار    ضجيج اللحظة    أحمد السقا يستعد ل «خلي بالك من نفسك»    230 شركة في المنتدى السعودي الفرنسي    "الشؤون الإسلامية" تسلم 25 ألف مصحف للمالديف    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    مجلس الشؤون الاقتصادية استعرض تقارير التنمية.. نمو قوي بمختلف القطاعات وترسيخ مكانة المملكة    الميكروبات المقاومة للعلاجات (1)    قطع غيار    تعزيز قدرات الاكتشاف المبكر للأعراض..«الغذاء»: ربط قاعدة التيقظ الدوائي بمنصة الصحة العالمية    قرعة نصف نهائي كأس الملك تقام 30 نوفمبر في استوديوهات "ثمانية"    أمير منطقة جازان يتفقد سير العمل في وكالة الشؤون الأمنية بالإمارة    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    الناهشون في جسد النجاح!!    حين يكون العطاء لغة وطن    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولكن.. لماذا لا ننمو؟
نشر في الوكاد يوم 14 - 11 - 2010

منذ أن وعيت على هذه الدنيا، وخطاب التنمية جزء رئيس من "خطاب النهضة" في العالم العربي، ذلك الخطاب الذي ما فتئ يردد نفس المقولات والإجابات منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وسواء كنا نتحدث عن تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فلا نهضة ولا إسهام حضاري لهذه الأمة، أو هذا البلد، أو هذه الجماعة، على اختلاف مرجعية الانتماء، إلا ببناء مجتمع منتج اقتصادياً، ومرن اجتماعياً، وقائم على حكم القانون والمؤسسة الراسخة سياسياً. خطط خمسية، وأخرى عشرية، وتمر العقود، ولا أقول مجرد السنوات، ويبقى الخطاب ذاته، والخطط ذاتها، فيما تغير الخطاب وتغيرت الخطط في بلاد كانت لا تجد كفاف يومها، ثم أصبحت تصدر ما هو فائض عن أكثر من كفاف يومها. ولكن ورغم مرور أكثر من نصف قرن من الزمان على وعيي بهذه الدنيا، فإننا ما زلنا نطرح ذات الخطاب، وما زال الحال هو الحال، وكأن سلطان الزمان لا ينطبق علينا، رغم التغيرات المادية الكثيرة التي مر بها عالم العرب. ولموضوعية الطرح، أو محاولة ذلك على الأقل، فإن تغيرات وتحولات إيجابية كثيرة مرت بها بلاد العرب، وخاصة بلدان الخليج العربي منذ أن أصبحت التنمية جزءاً من سياسة دولها، وتسربت عوائد النفط فيها إلى قطاعات المجتمع المختلفة، ولكنها، أي التنمية، ليست بذاك المستوى المأمول حين النظر إلى الفرص والثروات التي وهبها الخالق لهذه البلاد من ناحية، ومقارنة بدول أخرى لم تكن شيئاً مذكوراً مقارنة ببلاد العرب آنذاك، وخاصة مصر ودول الهلال الخصيب من شام وعراق.
فخلال فترة لا تتجاوز نصف القرن من الزمان، استطاعت دول مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية أن تتقدم من نقطة قريبة من الصفر لتكون من الفاعلين والمنتجين في عالم اليوم. وخلال نصف قرن من الزمان، أثبتت اليابان المدمرة نفسها، واقتحمت الصفوف لتكون قوة اقتصادية كبرى وهي لا تملك من الموارد شيئاً مذكوراً، وفي ذات الوقت ضمدت أوروبا جروحها، فبدأت المعجزة الألمانية، ووضعت اللبنات الأولى لوحدة دول كانت تلعق دماء بعضها البعض قبل سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. في ذات الفترة كان عالم العرب، وتحديداً مصر والعراق وبلاد الشام، لديها كل مؤهلات الانطلاق والإبداع والتنمية الكاملة، ولكن الذي حدث هو انطلاق الآخرين وتقاعس الأولين، فبدلاً من صناعة التنمية كما فعل الآخرون، أصبح هناك ما يمكن أن نسميه صناعة التخلف في عالم العرب، ونظرة سريعة إلى تاريخ العرب المعاصر تبين هذه النقطة بكل وضوح، والسؤال المؤرق هو لماذا؟ ما الذي جعل من الآخرين خيول سباق راكضة، وجعل من العرب خيول حقل ناضحة؟ سؤال كبير لا يحتاج حقيقة إلى كثير من الفذلكة والتحليل العميق، بمثل ما أن وجود الشمس في رابعة النهار لا يحتاج إلى إثبات، فالإجابة وفق ظني تتلخص في ثلاثة أمور رئيسة، والباقي من التفاصيل التي من الممكن أن تكتب عنها الأسفار لاحقاً: غياب التراكم، الفساد، والعائق الأيديولوجي، وفي ذلك بعض التفصيل.
رغم كل ما قيل عن فساد الأنظمة في مصر والعراق وبلاد الشام قبل عصر "الثورات العربية"، فإنها كانت مهيأة فعلاً للانطلاق في عالم التنمية من جميع جوانبها، ولا تسألوني عن مسألة الاستعمار فما ضر اليابان وألمانيا احتلالهما، حيث كان عامل "التراكم" متوفراً، فقد كان اللاحق ينطلق من حيث انتهى السابق. كان هنالك فساد سياسي واقتصادي وسوء إدارة وأوضاع اجتماعية مغلوطة في تلك البلاد آنذاك وهذا صحيح، ولكن كان هنالك قانون متغير حسب الحاجة، ومؤسسات ثابتة ومتكيفة مع الظروف، وأنظمة دستورية محددة لمجال الحركة قادرة مع الزمن، ومن خلال التراكم، أن تصلح الأوضاع شيئاً فشيئاً، وأبرز مثال على ذلك قانون الإصلاح الزراعي الذي كان مطروحاً على مجلس الأمة المصري قبيل "ثورة" يوليو، وكما حدث في بلاد كثيرة. ولكن تدخل العسكر في السياسة، وانقلاباتهم التي كان شعارها الإصلاح (ولعلهم كانوا مخلصي النوايا، وهم كذلك، ولكن الجحيم محفوف بالنوايا الحسنة كما يُقال)، ألغت كل ما كان موجوداً قبل "الثورة"، وكانت البداية من الصفر. وليت أن الأمر كان كذلك وحسب، بل إن مبدأ التراكم ذاته أُصيب في مقتل، إذا كان الانقلاب الأول تمهيداً لانقلاب ثان وثالث وهكذا، كما كان الحال في عراق (عبدالكريم قاسم) وسوريا (حسني الزعيم)، مما يعني البداية من الصفر مراراً وتكراراً. بل إنه حتى في ظل ذات "الثورة" الواحدة، فإن تغير الوجوه يعني تغير السياسات والتوجهات بشكل جذري، في ظل الهيمنة المطلقة للزعيم المطلق، حتى مع وجود مؤسسات ظاهرية لا ناقة لها في الأمر ولا جمل، وذلك كما حدث في مصر بعيد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ومجيء الرئيس أنور السادات إلى الحكم. في مثل هذه الأنظمة الانقلابية، فإن التراكم يُصبح مستحيلاً، وتكون نقطة الصفر هي المنطلق دائماً، في تجربة تلو التجربة، ويتحول المجتمع إلى مجرد حقل تجارب، ولا يعود المواطن إلا أرنبا أو فأرا أو حتى قرد في معامل تجارب لا نهاية لها. أما الأنظمة التقليدية، أو الأنظمة "الرجعية" - كما أسموها - التي لم تعانِ مثل هذه التجارب، فإنها حافظت على مبدأ التراكم إلى حد كبير، ولكنها لم تستطع تجنب أحد العاملين الآخرين من عوامل إعاقة التنمية أو كلاهما، وهما الفساد والعائق الأيديولوجي.
الفساد، وكما هو معلوم للجميع، هو تداخل العام والخاص، بحيث يكون العام منتهكاً من قبل الخاص، وخاصة عندما ينتفي القانون الفاصل بين الفضاءين، أو لا تكون هناك قوانين واضحة تحدد الفرق بينهما بدقة، أو أن يكون هناك قوانين وأنظمة ولكنها غير قابلة للتطبيق في ظل وضع معين، أو أنها غير مسنودة من عقوبة صارمة بحيث تكون مجرد حبر على ورق في النهاية. ويكاد الفساد المالي والإداري أن يكون عاملا مشتركا بين جُل الأنظمة العربية، وأنظمة أخرى بالطبع ولكن مجال الحديث هنا هو العرب وأنظمتهم، والفرق بين الدول العربية هو في نسبة الفساد وليس في وجوده، فيكون كبيراً هنا بحيث يبتلع جل الدخل القومي، وخاصة عندما تكون الموارد كبيرة دون رقيب، أو متوسطاً فيكون له من كعكة الدخل القومي شطر كبير، أو صغير بحيث تكون الشطيرة أصغر، بحيث يمكن القول إن الفساد أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة العربية السياسية والاقتصادية العربية، والسياسة والاقتصاد توأم سيامي في عالمنا العربي، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الفساد، فالسياسة طريق الثراء.
حقيقة فإن الفساد ظاهرة قد لا تخلو منها دولة في العالم، ولكنها تكون ظواهر فردية منعزلة يحد من تفاقمها، ويلجم إمكانية استشرائها، حكم القانون والمؤسسة في تلك الدول المتمتعة بالشفافية والرقابة المجتمعية، فيما تتحول إلى "أسلوب حياة" في تلك الدول التي لا يعني فيها القانون والمؤسسة شيئاً. الفساد بالنسبة للتنمية هو مثل السوسة للسن غير المُعتنى بها بالنظافة الدائمة، تنخرها من الداخل حتى تتفتت السن في النهاية، إن لم يُتدارك ذلك بالعلاج المناسب، والعلاج في حالة الفساد هو قانون صارم تدعمه عقوبة صارمة، في ظل مساواة لا تميز بين أمير وغفير أو غني وفقير، إذ عندما تنعدم المساواة أمام القانون، وتنعدم المساواة في الفرص، ويصبح الفاسد نموذجاً للوجاهة في المجتمع، فإن ذلك يشكل بحد ذاته دافعاً للفساد بصفته مبرراً أخلاقياً، إذ حين يعم الفساد فإن القاعدة الأخلاقية للمجتمع تتلاشى، وحينها يبدأ تلاشي المجتمع. من ناحية أخرى، فإنه عندما تلين قناة القانون، فيصبح مطبقاً على البعض، وليناً تجاه البعض الآخر، ويتحول الفساد بالتالي إلى "أسلوب حياة"، بل إلى نموذج "للشطارة والفهلوة" وسعة الحيلة، فليست التنمية هي الضحية فقط، بل كل ما هو قابل للحياة في المجتمع، الذي لا يعود مجتمعاً بقدر ما يتحول إلى غاب تتحكم فيه الوحوش الضارية، وتتحول فيه الدولة إلى عصابة من اللصوص التي لا هم لها إلا الغنيمة وكيف يمكن أن توزع الغنيمة.. هذا وللحديث بقية إن شاء الله.
نقلا عن الوطن السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.