افتتاح النسخة الثالثة من مؤتمر جدة للصيدلة بمشاركة نخبة من الخبراء والممارسين    صحف عالمية: الهلال استحق الفوز في الكلاسيكو.. وبصمة بنزيما غائبة    الباحث السعودي د.الفريجي يفوز بالمركز الأول في جائزة الشارقة للأدب المكتبي    تجمع تبوك يصحح خطأً جراحيًا لمريض أجرى عملية تكميم خارج المملكة    الداخلية : ضبط (22613) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الهلال    إقامة استثنائية تجمع بين رقي التفاصيل ودفء الضيافة وسط جدة    احتفالية إعلامية مميزة لفريق "صدى جازان" وتكريم شركاء العطاء    «إرادة الدمام» يدشّن فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية بمشاركة واسعة في الخبر    جامعة الإمام عبدالرحمن توقع مذكرة تفاهم مع جمعية "اعتدال" لحفظ النعمة    بأرقام وتقنيات جديدة.. نجاح تمرين "استجابة 18" في مكافحة تلوث البيئة البحرية والساحلية    الولايات المتحدة تعيّن ستيفن فاجن قائدًا مدنيًا لمركز التنسيق بشأن غزة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    دراسة: العمل في فترة النوبات الليلية قد يؤدي إلى الإصابة بالقولون العصبي    ثيو هيرنانديز سعيد بفوز الهلال في «كلاسيكو السعودية»    إيطاليا تحتكر نحو (70%) من إنتاج الاتحاد الأوروبي للمعكرونة    الأخضر تحت 16 عاماً يواصل تدريباته استعداداً لبطولة غرب آسيا في الأردن    بنزيما: الهلال فريق صعب... حاولنا لكن لم نتمكن من التسجيل    رصد مذنب «لِيمون» في سماء منطقة الحدود الشمالية    ناصر الدوسري يوضح أسباب تألقه مع إنزاغي    إنزاغي: كنا نستطيع تسجيل المزيد من الأهداف    العلا يتغلّب على الاتحاد في قمة الجولة الخامسة من الدوري السعودي لكرة السلة    جمعية المانجو بجازان تؤكد دعمها للتنمية الزراعية المستدامة في ملتقى "جازان الخضراء"    «سلمان للإغاثة» يوزّع (1,100) من المواد الإيوائية المتنوعة في الصومال    وزارة الداخلية تحتفي بمرور 100 عام على تأسيس الدفاع المدني.. الثلاثاء المقبل    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    نادي ثقات الثقافي يتألق (باأمسية أدبية مدينية ) بالتعاون مع الشريك الأدبي    توطين سلاسل الإمداد    السوق السعودي يترقب مسار السيولة    ولي العهد يعزي هاتفيًا رئيس وزراء الكويت في وفاة الشيخ علي الصباح    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أنظمة الدفاع الجوي الروسية تسقط 3 مسيرات متجهة إلى موسكو    الرئيس الموريتاني يصل جدة لأداء مناسك العمرة    رابطةُ العالم الإسلامي تُشيد بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    مطار الملك سلمان الدولي يوقّع شراكة استراتيجية مع منتدى TOURISE 2025 لدعم السياحة المستدامة    صقّار يطرح أول شاهين في حياته ويبيعه ب(193) ألف ريال    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    163 ألف ريال لصقرين في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    المملكة توقع اتفاقية دولية للإنذار المبكر من العواصف    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لابد أن تتغير مهام إدارة المرور
نشر في الشرق يوم 19 - 05 - 2012

من منطلقات منطقية مختلفة (كمنطق السلامة ومنطق التحضر ومنطق فعالية نسق الأخلاق وتأثيره في تعامل الناس بين بعضهم البعض)، يمكن القول إن مشكلة السلوك المروري للسائقين في السعودية تقف على رأس المشكلات المجتمعية بامتياز. وأتذكر، على صعيد السلامة المرورية، تجربة مثيرة حدثت لي حين كنت أدرس اللغة الإنجليزية في كاليفورنيا في منتصف التسعينيات الميلادية. فقد وجهت مدرسة الفصل سؤالا للطلبة، الذين أتوا من بلاد مختلفة، عن السبب الأول للموت في بلادهم. طرح الطلبة القادمون من بلاد مختلفة (بلاد أوروبية وآسيوية وإفريقية ولاتينية) أسبابا تتمحور حول المرض (كالسرطان والإيدز وخلافه). حين جاء دوري، قلت صادقا إن حوادث المرور هي السبب الأول للموت في بلادي، وقد كنت أعتمد في قولي على إحصائية حكومية وقتها. انفجر الطلاب جميعا بالضحك. حين رأوا استغرابي لضحكهم واجهوني بسؤال لم يخطر على بالي من قبل. قالوا لي: أليس لديكم مؤسسات رسمية تعنى بالسلامة المرورية؟!! كانوا يقصدون، وهم الممثلون لثقافات مختلفة وينطلقون من تجارب بلدانهم المتغايرة، أن هذا السبب بسيط ويمكن التعامل معه ولا يصح أن يكون المسبب الأول للموت.
ربما تنجح التكنولوجيا، عبر ساهر، فيما فشل فيه جهاز المرور فيما يخص ضبط السرعة. لكني ورغم مرور سنتين على تطبيق ساهر لا أرى تغييرا يلوح في الأفق فيما يخص السلوكيات المرورية، وكنت كتبت عن هذه المسألة قبل بضعة أسابيع مقالا بهذه الجريدة بعنوان «هل نحن شعب قليل الذوق؟» ومن منطلق الفشل المتتابع للمرور في تحسين سلوكيات السائقين، أكتب مقالتي هذه.
لأكن صريحا، لأفصح عن منولوج داخلي يدور في نفسي لسنوات. نوعية السلوكيات بين السائقين في شوارعنا والطرق التي يتفاهم بها السائقين مع بعضهم البعض، من «تكبيس» أنوار و»ضرب» بواري و»جدع» سيارات على بعضهم البعض تصيبني بالإذلال، إنها تذل روح المواطنة داخلي.
تجعلني أظن أننا، وفي مسيرتنا نحو التحديث، فشلنا أن نبني إنسانا يتصرف بتحضر تجاه الآخرين.
هل معقول أن المجتمعات التي دخلت الحداثة بعدنا بعقود (قطر والإمارات نموذجين) قدرت على تشييد مدونة سلوك وأخلاق ماثلة متحققة في شوارعها فيما نحن لم نفشل فقط بل يتزايد فشلنا يوما عن يوم، فنحن هذه السنة أسوأ من التي قبلها وهكذا؟! السلوك في الشوارع بين المجهولين هو التجسيد الأبرز على فعالية نسق القيم والأخلاق، لأنه ببساطة يحدث بين مجهولين وليس بين ناس يعرف بعضهم بعضا. وحين نشاهد هذه الفظاظة بين البشر في الشوارع نعرف العوار العميق في نسق الأخلاق ككل.
إن النسق الأخلاقي يبدو في هذه الصورة فعالا فقط في حالات المجاملة المبنية على المعرفة (معرفة الأشخاص بعضهم لبعض)، أما في حالة المجهولية (أي أن لا يعرف الناس بعضهم بعضا) فإن قيم الأثرة والاحترام والذوق تبدو عاجزة على أن تؤثر فعليا في سلوك الأفراد. لماذا؟ ومن المسؤول؟ لا شك أن الجواب سيبدأ من مؤسسات لا دخل للمرور بها، مؤسستا الأسرة والمدرسة هما المسؤولتان الرئيستان عن عدم فعالية النسق الأخلاقي وإخفاقه، وهاتان بدوهما مرهونتان لنسق أخلاقي أكبر ترسمه وتشيد نوعيته الخطابات الأخلاقية السائدة والقائمين عليها. لكن لنترك هذه المحاججة المعقدة. لنعد إلى المؤسسة المسؤولة رسميا عن خلق السلوكيات اللائقة، لنعد إلى إدارة المرور.
هذا الفشل المريع والمتوالي سنة عن سنة في تحسين السلوكيات المرورية يحتاج لتأمل يتوجه داخل مؤسسة المرور.
لماذا تفشل هذه المؤسسة في تحقيق أحد أهم أهدافها ومهامها؟ ربما أن هذه الإدارة أوكل لها مهام متداخلة مما يجعلها ممزقة ومشتتة وبالتالي فاشلة في تحقيق أهم أهدافها على الإطلاق، الذي هو صناعة سلوك مروري مقبول في الشوارع. يقول بدر العيادة، المهندس المختص بتخطيط النقل، عند استضافته في برنامج «الثامنة» أن إدارة المرور مثقلة بأعباء ليست أصلا من اختصاصها. على رأس تلك الأعباء الإشراف على تشغيل شبكات الطرق (مثل الإشارات والتقاطعات وتحديد السرعات في الشوارع... إلخ).
هذه المهام المفترض أنها موكلة لجسد تنظيمي مختص بتصميم وتنفيذ وتشغيل شبكات الطرق. فيما إدارة المرور يفترض أنها معنية بتطبيق الأنظمة فقط، أي خلق السلوك المروري القويم. ربما تشرح هذه الملاحظات الذكية للمهندس العيادة لماذا يفشل المرور في إنجاز مهمة خلق السلوك المروري القويم بين السائقين. جهاز المرور غارق لدينا في إدارة الشوارع والإشارات والتقاطعات، ويضاف إلى ذلك مهام الرخص والاستمارات التي يجب أن تكون من مهام جهة مستقلة.
هذه المهمة «شفطت» كل الطاقات لدى قادة الجهاز المروري وأفراده الذين نسوا، بفعل مهام تشغيل شبكات الطرق ومسائل الرخص والاستمارات، أن مهمتهم الأولى هي خلق السلوك المروري القويم وليس إدارة هذا الزحام أو ذاك.
كنت مرة أقود سيارتي قرابة الثانية فجر أحد الجمع في طريق الملك فهد في الرياض. كانت المطاردات على أشدها في المسار الأيسر بين السيارات وكل يصرخ على من أمامه عبر «تكبيس» الأنوار.
لاحظت سيارة مرور واقفة على جانب الطريق ومشعلة أنوار «السيفتي». أثارت لا مبالاة الشرطي داخلها استغرابي فتوقفت وتوجهت للشرطي (الذي كان غارقا في مكالمة جوال) عن سبب عدم اكتراثة لهذه السلوكيات الممنوعة قانونيا. أجابني باسما: «ليلة جمعة وخلي الشباب ينبسطون».
لم أستطع أن أميز هل كان يعكس رؤيته الفردية أم يعبر عن تقاليد مؤسسة تناثرت شاراتها وعلاماتها على أكتاف الرجل وذراعيه!
يبدو أن الخطوة الأولى في تشييد سلوك مروري قويم في شوارعنا تنظيمية. نحتاج أن نرفع عن كاهل جهاز المرور مهام إدارة شبكات الطرق ونجعل مهامه مقصورة على تطبيق النظام، الأمر الذي سيعني تحوله إلى جهة تصنع السلوك المروري القويم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.