حين نسج حلمه من نجيمات متناثرة في قبة السماء، كتم حلمه في صدره كسراً لا يود البوحَ به، فمراقبته النجوم من بين تشققات جريد النخل وفي الليالي المظلمة كانت واحدة من هوايات حامد البارقي، إذ لا يوجد سقف وجدران تحيط منزله سوى سعف مرصوص بغير انتظام تاركاً فتحات صغيرة تفضي إلى الفضاء الرحب، مما أتاح له رؤية النجوم بكل وضوح ليمتزج الواقع بالخيال، هذا الطفل البارقي الذي عاش اليتم في بواكير حياته – في قرية «قضريمة» المغموسة في سهول تهامة – كان يرى في عمه الذي كفله بعد رحيل والده النموذج الأجمل، حيث يمتلك قطيعاً من الماعز وبندقية صيد عتيقة، هذا أقصى حلم يراوده، وظل يناجي النجوم عند انفراده بقطيع ماعز عمه لترعى من العشب الأخضر، ويُمني نفسه في الغدو والرواح باحتواء بعض من تلك النجوم ليدسها في قميصه، وما إن انفرجت أبواب المدرسة حتى كان واحداً من تلاميذها الصغار يقرأ ويكتب الحروف الأبجدية ويرسم في كراسته وميض النجوم بألوان زرقاء ويعود إلى منزل عمه مساعداً إياه في بيع وشراء التمر، والملح، والحطب والماعز، وظل هكذا بين حلم لا يستطيع التنبؤ بنهايته وبين واقع معيش في سهول تلفحها أشعة الشمس الحارقة، وليس هناك من ظلال سوى شجيرات السدر والسلم لينيخ جسده المتعب بين الفينة والأخرى، الطفل البارقي تنامى ذكاؤه وبرعت قدراته، لافتاً انتباه معلميه، فالنبوغ لا يُباع ولا يشترى بل موهبة يمنحها الله لمن أراد ويريد، وحدث جدل في أعقاب حصوله على شهادة المرحلة الابتدائية بين راغب في مواصلة تعليمه وبين مكتفٍ بهذا القدر من التعليم الذي يؤهله لقراءة وكتابة الرسائل للمهاجرين في المدن البعيدة، إلا أن الخيار الأقوى أن يُستثمر هذا النبوغ والذكاء ليواصل تفوقه في المرحلتين المتوسطة والثانوية ويسجل البارقي اسمه بماء الذهب كواحد من العشرة الأوائل في الثانوية على مستوى الوطن. وبعد هذه السن لابد أن يكون معيلاً لنفسه وأهله لينتقل بريالات معدودة في رحلة سفر مضنية إلى تبوك وينتظم كجندي، والنبوغ والطموح يدفه إلى مراتب أعلى، تزامن ذلك مع رغبة قطاع الجيش في بعث عدد من العسكريين من أجل الحصول على شهادة التمريض ليكون من بين المبتعثين، وتتبعها فرصة أخرى ليُترشح في دورة يتخرج المتدرب فيها برتبة ضابط وكان له ذلك، حيث ابتعث إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لدراسة جراحة الفم والأسنان، وهنا بدأ يفتش عن تلك النجمات التي خبأها في قميصه، إذ حاز على درجة الدكتوراة واعتمد أيضاً عضواً في البورد الأمريكي ونائباً لرئيس جمعية جراحة الوجه والفكين في أمريكا، بل أضحى من أشهر الأطباء العالميين في هذا التخصص (ترميم وتجميل الوجه والفكين)، سجل حياته مملوء بالصعوبات والنجاحات، فحامد البارقي طبيب ومخترع ومرجع طبي وأستاذ استشاري في إعادة إعمار الوجه في مستشفى توماس جيفرسون بالولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك في مستشفى الملك خالد للحرس الوطني، وحالياً في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بجدة، كيف لهذا البارقي أن يتمكن من تحقيق حلمه والحصول على بندقية صيد من نوع آخر بندقية نجاح وتفوق ليس على المستوى المحلي بل العالمي. التعليم والتدريب مفتاحا النجاح، والبيئة المحفزة هي المحضن للتألق، والبارقي جمع نجوم النجاح ووزعها على محبيه المرضى.