في الأسبوع الماضي تحدثنا عن التقاعد كثقافة عامة وذكرنا بعض المصطلحات الثقافية التي تعنى بالتقاعد في البلدان العربية والأجنبية، وعرجنا في المقالة على الأنظمة البائدة لمصلحة معاشات التقاعد، والمطالبة بتحديثها تقنيا، وإداريا، وماليا، لتتواكب مع العصر، وتلبي احتياجات المتقاعدين والمتقاعدات من مدنيين وعسكريين، الذين خدموا سنين عديدة، وأفنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن. ولأن أنظمة التقاعد المعلن عنها تحرص على توضيح جهود الدولة في توفير مستوى معيشي يليق بالمتقاعدين من موظفيها المدنيين والعسكريين، وتوفير عناصر الأمن الاجتماعي والاقتصادي لهم، بعد أن قاموا بتأدية دورهم في خدمة الوطن لسنوات عديدة، (فقد أصدرت الدولة عددا من الأنظمة الخاصة بالتقاعد، تهدف إلى حماية حقوق المتقاعدين والمستفيدين من أسرهم، ومنحهم مظلة تأمينية تحقق ما يصبون إليه من مستوى معيشي كريم ومستقر). في أولى المداخلات على المقالة السابقة يؤكد الأخ (صقر) على أهمية حقوق المتقاعدين، والسؤال الأكثر إلحاحا ما هي حقوق المتقاعدين؟ إذا كان المقصود بها الحقوق المالية في حياتهم وللمستفيدين منها بعد مماتهم فذلك أمر موجود ومنظم بأربعة أنظمة رئيسة: هي نظاما التقاعد المدني، والعسكري ونظاما تبادل المنافع، والحماية التأمينية، ونحن نعلم أن كل هذه الأنظمة لا تعدو تسوية المعاشات والمكافآت للمتقاعدين، وحصر المستفيدين من المعاش التقاعدي.. أعتقد أن الحقوق المطلوبة شيء آخر غير الأنظمة المالية التي تمثل حقوق الموظف بعد تقاعده، وإن كانت جزءا من الحقوق الواجبة لكن المتقاعدين يطالبون بالحقوق المعنوية الأخرى، فبالرغم من أهمية المال إلا أن هناك ما هو أهم منه يتمثل في حقوق المتقاعدين المعنوية والصحية والثقافية والترفيهية، وغيرها من متطلبات العمر لمواكبة العصر، وتغيير الصورة النمطية التي يتم تداولها بصورة مؤلمة نفسيا، كعبارة (مت قاعد)، التي يراها بعضهم وصفا دقيقا لمن أفنوا شبابهم في خدمة أوطانهم. لا ننكر أن هناك بعض الجهود التي قامت بها المؤسسة العامة للتقاعد لتوفير خدمات أفضل للمتقاعدين من خلال عدد من الاتفاقات والعقود مع عدد من الشركات والمؤسسات لتسهيل خدمات المتقاعدين لكن تلك المؤسسات ضعيفة الخدمات ونسبة التخفيضات ضعيفة جدا لا تتجاوز 10%، بل في الغالب يحصل عليها أي عميل حاصل على بطاقة عضوية في هذه المؤسسة أو تلك، وهي مؤسسات صغرى، والحاجة إليها تكاد تكون معدومة بخلاف المؤسسات الخدمية الكبرى التي يحتاجها المتقاعدون كالمستشفيات التخصصية، وشركات الطيران، والسياحة والسفر. في الرؤية العامة للمؤسسة أن تكون ذات جودة عالية بتميز الخدمة للمستفيدين وتنمية الاستثمارات، من خلال الاستخدام الأفضل للإمكانات المتاحة، هذا كلام نظري جميل، ويتم تفعيله على أرض الواقع من خلال وسائل التقنية الحديثة. الملاحظ أن أعداد المتقاعدين يتزايد في كلا القطاعين المدني والعسكري تبعا للتوجه في الحد من بقاء الموظف في الخدمة بعد بلوغه السن النظامية ما لم تكن هناك حاجة ماسة وملحة للتمديد له، وبالتالي فإن الحاجة تتزايد أيضا، ولأن المتقاعدين شريحة كبيرة وفاعلة، فقد تمت موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية على إنشاء جمعية وطنية تعمل على خدمة المتقاعدين، والمحافظة على حقوقهم. عشر سنوات مضت على إنشاء الجمعية الوطنية للمتقاعدين، التي تهدف إلى رفع مستوى الثقافة والوعي والمعرفة بشؤون المتقاعدين ومكانتهم وقدراتهم وأهمية احترامهم وتسهيل قيامهم بواجباتهم وتصحيح الصورة النمطية عن التقاعد والمتقاعدين، والتأكيد على أهمية ما قاموا به من إنجازات في الماضي وما يتوقع منهم من مشاركة في الحاضر والمستقبل، باعتبارهم مصدراً لا ينضب من الخبرات والتجارب التي يجب الاستفادة منها واستثمارها في مسيرة التطور والنماء كما تعمل الجمعية على تحقيق آمال المتقاعدين وتحسين وتطوير أوضاعهم المالية والصحية والمعنوية والاجتماعية والاقتصادية. ولأن الجمعية الوطنية للمتقاعدين أحد أهم المظلات التي تنافح عن حقوق المتقاعدين فعليها أن تبذل قصارى جهدها في تحقيق مطالبهم، والسعي الجاد في التنمية المستدامة اقتصاديا وثقافيا بالطرق التي تكرس حضورها القوي، فنحن في عصر ما بعد العولمة حيث تعيش المجتمعات الإنسانية بقطاعاتها المختلفة تقدما تقنيا مذهلا يشمل كل مناحي الحياة، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي والبحث المستمر عن المعلومات وكيفية الاستفادة منها، وضرورة التفاعل البناء مع كل القضايا التي يتناولها الإعلام بكل فئاته المقروءة والمسموعة والمرئية، والإنصات إلى الأصوات المشتركة التي تنادي بضرورة تطوير أنظمة التقاعد، بما يواكب معطيات العصر، والحاجة الماسة إلى تأمين الموارد المالية وتنميتها بما يتناسب مع المشاريع والبرامج التي تقدمها الجمعية، وأهمية دعمها لتعود بالفائدة المنتظرة على جميع فئات المتقاعدين.