الكلمة التي ارتجلها المليك، أمام المشاركين في الحوار الوطني أمس، تناولت الكثير من الجوانب. ولكنها عرّجت على نقطة مهمة في مسألة الحوار. قد يكون المغزى الواضح هو أن ضيوف خادم الحرمين أمس، جاؤوا للتوّ من فعاليات الحوار الوطني. لكن المغزى الأكثر أهمية هو اهتمام القيادة بما يعنيه الحوار الراقي بين البشر بشكل عام، وبين المواطنين بعضهم ببعض بشكل خاص، وبين الفرد والآخر بشكل أخص. الحوار خيار جوهري لبني البشر، وبما أن اللغة هي وسيلته؛ فإن العقل هو الواقف وراء اللغة، أخذاً بمفهوم أعمّ، هو القدرة البشرية على التعامل مع الأفكار والمعاني المتشعبة، أكثر من غيره من الكائنات. ومن خلاله يوجد المختلفون لأنفسهم أرضاً مشتركة يلتقون فيها. وحين أسّس خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- قبل سنوات مشروع الحوار الوطني؛ فإن هذا التأسيس وضع في اعتباره استراتيجية التعاطي مع الاختلافات في هذه البلاد لجعلها وسيلة من وسائل التعدد والتنوع والتعايش، وليس شكلاً من أشكال التنافر والقطيعة. ولذلك؛ حرص شخصياً على الالتقاء بأبنائه المشاركين في فعاليات الحوار كل عامّ، لا ليؤكد أنه على اتصال بالمتحاورين فحسب؛ بل ليضيف إلى ذلك حسماً جدياً لما يمكن الالتباس حوله في شأن الحوار. إذ لا قيمة لحوار ما لم يحمله المتحاورن على محمل الجد، وحين يأتي قائد البلاد ليتحدث مع المتحاورين فإن في ذلك دلالة كبيرة على اهتمام الدولة، بثقلها السياسي كله، بالحوار والمتحاورين. إن التأكيد السنويّ لدور الحوار في بلادنا يشير -فيما يشير- إلى استراتيجية العمل نحو تفعيل برامج الحوار، واتساعها لتتحول إلى ممارسة يومية في البيت والمدرسة والجامعة والشارع والمحل التجاريّ.. وبذلك لا نصنع متحضراً فحسب، بل نطمئن إلى أن بين المختلفين لغة مسؤولة.