دعتني صديقة لي منذ أيام الدراسة إلى أحد المقاهي المنتشرة في أحياء محافظة جدة، خاصة في شارع التحلية، وعندما دخلت إلى ذلك المكان «المقهى» الذي لم أدخله مسبقاً، وهو يماثل مقاهي باريس في الشانزليزيه، وبعد جلوسي معها على إحدى الجلسات التي تشبه كنبات القصور الفارهة وأخذت عيني تلتفت تجاه الطاولات المنتشرة في المقهى، ولم أجد واحدة منها خالية، بل على كل طاولة فتيات في عمر الزهور يمسكن بأيديهن الشيشة أو «الأرجيلة» كما يسميها إخوتنا من أهل الشام، وتتبادل كل واحدة منهن مع صديقتها التي تشاركها نفس الشيشة، الضحكات العالية. أخذتُ قائمة الطلبات الموجودة على سطح الطاولة لأعرف نوعية المشروبات والأطعمة التي تقدم في هذا المقهى، ولفت نظري أنها قائمة لنكهات المعسل الموجودة في المقهى «التفاح، الدراق، العسل..»، كل هذه السموم تستنشقها بناتنا وأخواتنا دون الوعي لأخطارها وما تسببه من حدوث سرطانات الرئة والفم والمريء والمعدة، وارتفاع تركيز غاز أول أكسيد الكربون في الدم، وكذلك انبعاث الروائح الكريهة مع النفس ومن الثياب، وما لها من تأثيرات أخرى كبَحَّة الصوت، واحتقان العينين، وظهور تجاعيد الجلد والوجه خصوصاً في وقت مبكر، هذا علاوة على كون تدخين الشيشة يعتبر أحد أهم ملوثات الهواء في غرف المنازل وفي المناطق القريبة من المقاهي لوجود عدد كبير من المدخنين في نفس المكان «المقهى» الذي يكون أكثر ضرراً من الأمكنة الأخرى. لا تختلف مكونات الشيشة عن تبغ السجائر ودخانها، بل هي أسوأ من السجائر، حيث إن بها ما لا يقل عن 4000 مادة سامة، أهمها النيكوتين وغاز أول أكسيد الكربون والقطران والمعادن الثقيلة والمواد المشعة والمسرطنة والمواد الكيميائية الزراعية ومبيدات الحشرات، وغيرها كثير من المواد السامة، كما أن الدراسات تؤكد على أن تدخين الشيشة في جلسة واحدة لمدة من (20 – 80 دقيقة) يعادل تدخين أكثر من (100 سيجارة). الذي آلمني أكثر أن أرى فتاة لم تتعدَّ من العمر 15 عاماً وهي تمسك أنبوب الشيشة «لَيّ» بين شفتيها وتستنشق السموم إلى رئتيها، والمستغرب جداً أنها متشبهة بكبيرات السن، وتضع رجلاً على رجل كما يفعل الكبار، والأمرُّ من ذلك أن يكون في حضور والديها، وهذا ما دعاني لأن أتساءل مع نفسي: أين القيم في تربية الأبناء؟ وهل المدنية والحضارة كما تدعيها بعض الأمهات والآباء سلبت منا القدوة والاحترام؟ وأين نحن من زمن كان فيه الأبناء يحترمون آباءهم وأمهاتهم؟، ألا يعرف الوالدان ما هي خطورة الشيشة على فلذات كبديهما؟ وأين حقوق الإنسان من حماية أطفالنا؟ وكيف تجاهلت البلدية تنفيذ قرارها بشأن منع بعض الكافيهات، بينما ضيقت الخناق على محلات بيع السجائر ولم تفلح مع محلات بيع مادة الشيشة؟ هل المكسب المادي جعلنا نتغاضى عن صحة أبنائنا؟.