تابع البعض منا أخيراً مقاطع فيديوهات عن المنظمة الإرهابية «داعش» عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرت ضعف الثقافة الدينية والفقهية لدى الشباب المغرر بهم الملتحقين بتلك المنظمة على أرض العراق والشام، وأن من يصفون أنفسهم بالمجاهدين لا يتقنون العبادة ولديهم جهل تام في أركان وواجبات الصلاة، حيث أظهرت بعض المقاطع لأحدهم وهو يوضح لزميله عن كيفية الوضوء! بينما أظهرت مقاطع أخرى عن جهلهم في أداء الركن الثاني من أركان الإسلام «الصلاة» ما يدل على أن هؤلاء الضحايا بعيدون كل البعد عن الهدف الذي يزعمون أنهم أتوا من أجله، ويعكس ضحالة الفكر لدى هذه المنظمة الإرهابية. كان الاعتداء الآثم الذي تعرض له رجال الأمن في منفذ الوديعة في شهر رمضان المبارك من قبل «داعش»، وأدى إلى استشهاد أربعة من رجال الأمن البواسل وإصابة آخرين قد كشف أيضاً عن الوجه الحقيقي لهذه المنظمة الإرهابية وأهدافها، ومن المعلوم بل من المؤكد أن المنظمات الإرهابية تستغل الظروف الاقتصادية التي يعيشها فئة كبيرة من المجتمع في الوطن العربي لتحقيق أهدافها، وهو ما أدى إلى قيام الثورات العربية التي بدأت من شرارة النار التي أشعلها من تونس بائع الخضار الذي يحمل مؤهلاً عاليا وامتدت إلى الدول المجاورة التي لم تر حتى الآن سوى القتل والتشرد والإجرام وزيادة الفقر والبطالة وكل هذا بسبب ردة فعل قوية حول حالة عاشت تحت خط الفقر وضغوط الحياة لوقت طويل والتي لم تستطع الحصول على لقمة العيش بالطرق النظامية وغير النظامية. ولا شك أن الثورات هي الانفجار القوي والبركان الهائل الذي لم يترك أثرا سوى المزيد من سوء التعقيد للحياة والمزيد من الفقر والدمار والإرهاب، والجماعات المسلحة وولدت لنا العديد من الجماعات الإرهابية الإجرامية التي قامت ونبتت على أكتاف الشباب المغرر بهم فكرياً من خلال استغلال ظروفهم المعيشية السيئة والانطلاق من تلك الدول لضرب النسق الأمني والاقتصادي من أجل تحقيق عدة أهداف باطنة لديهم وهي مكاسب اقتصادية، بالاستيلاء على آبار النفط وثروات البلاد بدعوى تحرير البلاد من الظلم والاضطهاد وغيره، فكثرت الجماعات المقاتلة الإجرامية في عدة جبهات وبمختلف المسميات منها الإسلامية والنصرة والقاعدة وغيرهم ممن هو قائم وممن هم في عداد الخلايا النائمة بانتظار المزيد من الوقود البشري الشبابي الذي لا يعمل أو أصحاب الدخل الضعيف، مستغلين تلك الظروف المعيشية وضغوط الحياة للانطلاق نحو دعم تلك المنظمات الإجرامية بالموارد البشرية المقاتلة. لذا فإن مرحلة الشباب أرض خصبة وجسد مليء بالقوة والطاقة الذي قوبل بسيل من الفكر المتطرف المليء بالمغريات المادية والمعنوية من هذه الجماعات الإجرامية، وذلك ذريعة للهروب من تلك الظروف التي بإمكان الشاب التغلب عليها لولا قوة وإقناع مندوبي هؤلاء الجماعات المتطرفة داخل الدول المستهدفة واستخدام جميع أدوات الحوار والاستماع والتصوير ورفع المعنويات من أجل أن يزدادوا إيماناً بمعتقداتهم السامة، وفي نفس الوقت إقناع هؤلاء الشباب بالهروب من مرحلة الفشل (حسب رؤيتهم) وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية، خاصة أنهم في مرحلة عمرية مقبلة على الحياة والمزيد من المتطلبات المعيشية.لا بد أن يتدارك الوضع باحتواء الشباب من خلال عملية تحسين المستوى المعيشي لهم وتوفير كافة الفرص الوظيفية، وإشغال طاقتهم بما يعود عليهم وعلى المجتمع ومؤسساته بالفائدة العظيمة، وعدم ترك أية فرصة لتلك الجماعات المتطرفة باستغلال ظروف الشباب المعيشية وتوظيفها لصالحهم.