500 كلمة خاطب بها الملك عبدالله العالمين العربي والإسلامي والإنسانية بشفافية عالية، متوعداً الإرهاب والإرهابيين بحرب لا هوادة فيها وإن خاضها هذا البلد وحيداً، فالإرهابيون لم يقدموا شيئاً سوى الدمار باسم الإسلام، ولم يحققوا هدفاً سوى نشر الخوف وتقويض الأمن في ديار المسلمين خدمة لأعدائهم. والإرهاب الذي عناه له "أشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول، وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها". فمن حيث الجماعات الإرهابية التي شوهت سمعة الدين وعاثت في الأرض فساداً، وسعت بالفتنة وأسست لها في بلاد المسملين، يسمي الملك عبدالله الأمور بمسمياتها فيعتبرها أذرعة للعدو المتربص الذي يسّر لها " كل أمر، حتى توهمت بأنه اشتد عودها، وقويت شوكتها، فأخذت تعيث في الأرض إرهاباً وفساداً، وأوغلت في الباطل"، وقبل أن أورد شهادة لمؤلف أمريكي سابق في رؤيته لكلمة الملك عبد الله بأكثر من 5 سنوات، دعونا نستعرض فقرة أخرى في كلمة كبير العرب وخادم الحرمين الشريفين "إن من المعيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين فيقتلون النفس التي حرم الله قلتها، ويمثلون بها، ويتباهون بنشرها، كل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء" ويضيف حفظه الله بأن الأمة "تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة، وسيكون التاريخ شاهداً على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتفريق وتمزيق الأمة، وتشويه صورة الإسلام النقية". فمن هم الأعداء ومن هم أدواتهم الذين سيشهد عليهم التاريخ؟ يجيب عن شق من هذا التساؤل جورج فريمان، وهو أكاديمي ومؤلف أمريكي أصدر كتاباً عام 2009م بعنوان المئة سنة المقبلة أرّخ فيه لبداية القرن الأمريكي الجديد بأحداث 11 سبتمبر 2001م التي قادها إرهابيون سُهِّلت لهم المهمة لينجحوا في استفزاز الآلة العسكرية والدعائية والإيدلوجية والمشاعر الغربية والإنسانية ويستعدونها على الإسلام والمسلمين، وتشن أمريكا على إثر ذلك حربين في أفغانستان والعراق "ليس بهدف النصر" وفقا لتعبير المؤلف، وإنما للوصول إلى ما نحن عليه اليوم، حيث ينص الكاتب على "أن بقاء العالم الإسلامي الذي تنطلق منه الحرب على الولاياتالمتحدة في حالة فوضى هو بمثابة تحقيق هدف إستراتيجي أميركي" معتبراً بأن حجم الكراهية التي تركتها أمريكا في العالمين العربي والإسلامي "قد يجعلها عرضة لهجمات خلال المستقبل المنظور الذي يحدده بعام 2020م". والملك عبدالله لم يتردد في اطلاق تحذير من قائد مخلص وداعية للسلام تعب وهو يحاول جمع كلمة العالم لاعتماد الحوار بين الحضارات وسيلة للتفاهم وطريقا للتعايش بدلاً من الحروب والدمار، حيث جاء في كلمته: "اليوم نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد". إن الإرهاب هو السوق الوحيدة التي يخسر كل من يدخلها، ومن المستثمرين فيها من يُمنى بخسارة عاجلة ومنهم من يتكبدها آجلة. الإرهابيون لم ينقلوا العالم العربي والإسلامي بهجمات 11 سبتمبر وغيرها من العمليات الإرهابية إلى "قوة عظمى، وإنما العكس تماما، حيث أصبحت المنطقة مفككة أكثر من ذي قبل... وما دام المسلمون يقاتلون بعضهم البعض فإن الولاياتالمتحدة تعتبر قد كسبت الحرب" على الإرهاب. ولكنه مكسب إلى حين، ضرب له المؤلف موعداً بحلول عام 2020م. هل أمريكا وإسرائيل عاجزتان عن خوض حربهما ضد الإرهاب؟ لديهما من التقنية والأسلحة والقوة ما يخسف بتلك الجماعات الإرهابية الأرض، ولكن لأن تلك الجماعات هي أفضل وسيلة قادرة على تحقيق أهداف الغير دون أن تتورط دول في حرب قذرة تزهق أرواح الأبرياء. فالمنظمات الإرهابية يسهل قيادتها من خلال عملاء المخابرات العالمية والسيطرة على قياداتها من أنصاف المتعلمين والمرضى النفسيين الباحثين عن الشهرة والسلطة على أشلاء الأبرياء من المسلمين وفي أوحال الدماء التي حرم الله إراقتها إلا بالحق، بحيث ينفذون رغبات أسيادهم دون ضغوط من هيئات حقوق الإنسان ومن مؤسسات المجتمع المدني والمناهضين للحروب في العواصم الغربية. فالمشهد يعرض للرأي العام الغربي النأي بالنفس عن التورط في سفك الدماء وقتل الأبرياء، على أن ما يحدث ليس سوى مسلمين يقتلون مسلمين وفقاً لتعاليم الإسلام! حركة جهيمان قتلت المسلمين الطائفين المصلين، والقاعدة تضرب رقاب المسلمين منذ تأسست، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، وداعش ذلك اللغز المحير لا يقتل سوى المسلمين، فأي جهاد يعلنونه؟ وأي قضية يجاهدون من أجلها؟ الملك عبدالله وضع العالم أمام مسؤولياته، وقد تحدث وهو يضع مصالح شعبه وأمته نصب عينيه، فهو يعرف جيداً أن خياراته صعبة في ظل هذا الوضع المتردي للعرب، وهو قابض بيد على وحدة بلده وأمنه واستقراره، وبالأحرى يحاول المساعدة في إصلاح ما أفسده أعداء الأمة في جسد عالمنا العربي المسلم. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).