يؤدي قطاع العمل الصحي الخيري دوراً إنسانياً وتنموياً مهماً، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّه ما زال منتظراً للعديد من التشريعات والأطر المنظمة التي تعمل على تمكينه من تحقيق الكثير من الأهداف المرجوة منه، لا سيما وأنّ مجتمعنا -ولله الحمد- محب وداعم للعمل الخيري والتطوعي أياّ كان مجاله ومكانه؛ مما ساهم بلا شك في مساندة هذا القطاع ليكون جزءًا لا يتجزأ ضمن المنظومة الصحية بشقيها الحكومي والخاص، حيث قدم لسنوات طويلة أعمالاً ل «حالات مرضية» احتاجت إلى الخدمة الطبية، سواء كانت علاجية، أو توعوية، أو وقائية. وواجه العمل الصحي الخيري جملة معوقات تأسيسية وتنظيمية، وهو ما يتطلب التسريع في إيجاد هذا النظام، وهذا ما بدأه مؤخراً مجلس الخدمات الصحية، حيث أقر أهمية تنظيم القطاع الصحي الخيري، ووافق على تشكيل فريق عمل لإعداد مشروع تنظيمي تمهيداً للرفع به إلى المقام السامي الكريم. تنمية مستدامة وأوضح "د. عبدالرحمن السويلم" -عضو مجلس الشورى- أنّ الجمعيات الصحية الخيرية تعدّ ظاهرة للحراك الذي تعيشه المملكة في تنامي دور المجتمع المدني، وتزايد ظاهرة التطوع لدى أفراد المجتمع، حيث تنامت أعداد المتطوعين، خاصةً في السنوات الأخيرة؛ لما تحظى من دعم سواء من الدولة أو من رجاﻻت المجتمع على جميع الأصعده التي مكنتهم من الإسهام الفاعل، والمشاركة في العديد من الأنشطة التي تقدمها الدولة أو يفترض أن تنهض بها، كالمعوقين، والعناية بمرضى السرطان، وذويهم، ومرضى الزهايمر، ومساعدة أطفال التوحد، أو تقديم المساعدة لعلاج الفقراء، وغيرها كثير تقدم خدماتها للمواطنين والمقيمين. وأضاف أنّ هذا هو الدور الذي تنهض به جمعيات المجتمع المدني، على الرغم من قلة عددها، وتمركز أكثرها في المدن الرئيسة، وما تعانيه من صعوبة الحصول على الترخيص أو التنسيق مع الإدارات الحكومية؛ مما دفع الجمعيات والمنظمات الخيرية أن تلتقي في أكثر من ملتقى تنسيقي، وطرحت هذه المعاناة، وفي كل مرة تكون التوصية بأهمية إيجاد التشريعات، ووضع الأنظمة والقوانين؛ لتسهيل عمل هذا القطاع، حتى يسهم بشكل فاعل مع الدولة لتحقيق التنمية المستدامة، ولكي يستوعب طاقات الأطباء والشباب الغيور على أمته ومجتمعه، والذي يعمل متطوعا في خدمة مجتمعه وأمته. إيجاد السياسات الواضحة يزيل المعوقات ويرتقي بالخدمات العلاجية والتوعوية والوقائية تقدير دولي وأوضح "د.السويلم" إلى أنّ هذا الرافد الخيري يحظى في دول العالم المتقدم على اهتمام كبير من الدولة بكل أجهزتها، حتى تبوأ مكانه الذي يتطلع إليه مجتمعه، موضحاً أنّ الدول المتقدمة تقدر جهود القطاع التطوعي وتدعم أنشطتها على أنّها مكمل لدور الدولة؛ مما يفسح لهم إظهار إبداعاتهم من هنا نحن بحاجة ملحة لتذليل كل العقبات أمام هذه الجهود المباركة، لتنطلق حتى تتكامل الخدمات، ويتحقق التكافل اﻻجتماعي، إلى جانب تعميق مفاهيم العطاء والتطوع الذي يأمر به ديننا، معتبراً أنّها خير مؤشر على حب الوطن، مبيّنا أنّ آمال معقودة على مجلس الخدمات الصحية ومجلس الشورى ووزارة الصحة ووزارة الشؤون اﻻجتماعية في العمل على تذليل كل الصعاب أمام أبناء اﻻمة للإسهام في البرامج التطوعية. د. شاهر الشهري أنظمة داعمة وأكّد "د. شاهر الشهري" -رئيس مجلس جمعية الرحمة الطبية الخيرية بالمنطقة الشرقية- على أنّ المؤسسات الصحية الخيرية قد خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، وأصبحت رقماً مؤثراً من خلال انتشارها في جميع مناطق المملكة، إذ يصل عددها حالياً إلى (23) جمعية ولا زلنا بحاجة إلى وجود عدد أكبر في هذا المجال، مشدداً على أهمية وجود نظام يسهل دور هذه المؤسسات ويدعمها، لتصبح شريكاً حقيقياً لبقية المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة وهو أمر ملح، مبيّناً أنّ التنظيمات لا بد أن تنطلق من مفهوم تسهيل دور مؤسسات القطاع الخيري، وتنميتها، لا تقييدها، وأنّ أول دور لهذه التنظيمات هو وجود عضو ممثل لها في مجلس الخدمات الصحية ليشارك في دور التنسيق، أسوة ببقية القطاعات بما فيهم الخاص. وأضاف أنّه لابد أن تكون هذه التنظيمات منطلقة من دور الشريك لا دور المراقب، ويراعى في هذه التنظيمات أن تضطلع هذه المؤسسات الخيرية بدورين هما: الدور الصحي والدور الاجتماعي، كما أنّ التنظيمات لابد أن تخرج بدور شمولي لا بمعالجة جزئية لبعض القضايا، مبيّناً أنّ محدودية انتشار المؤسسات الخيرية في المدن الصغيرة والأرياف يرجع أولاً للصعوبة الشديدة في الحصول على التصاريح من الجهات الرسمية، بالإضافة إلى الجانب المالي الذي تحتاجه الخدمات الصحية مرتفعة التكلفة، إضافة إلى ندرة العنصر البشري المتخصص، مطالباً وزارة الصحة بالسماح للعاملين الصحيين بمزاولة مهنتهم التطوعية بناءً على تصاريحهم في أماكن عملهم اﻷصلية. د. طلعت الوزنة التنظيم الجديد ونوّه "د. الشهري" بأنّ التنظيم الجديد المرفوع لمجلس الوزراء بالسماح للمؤسسات التطوعية بفتح مراكز صحية هو أول خطوة في هذا الطريق، متمنياً أن تصطحبها التسهيلات المالية والنظامية أسوة بقطاعات العمل الأخرى، خاصةً بعد أن أثبت القطاع الخيري الصحي قدرته الفائقة على النمو واستيعاب الاحتياجات الصحية، وقدم نماذج إبداعية للمساهمة في التنمية الصحية في البلاد، كما قدم عدة برامج ارتقت بالفكر التطوعي الصحي وأسهمت في مجالات عدة منها: الإغاثة الطبية، والتوعية الصحية، ورفع الوعي لدى المواطنين بحقوقهم الصحية، معتبراً أنّ المجال لا يزال واسعاً أمامه في النمو والتطور في ظل وجود أنظمة داعمة، وجهات مساندة تتعامل معهم بعقلية الشريك لا المراقب. د. صالح الأنصاري تكامل الخدمات ورأي "د. صالح الأنصاري" -أستاذ مساعد في طب الأسرة والمجتمع والمشرف العام علي مركز تعزيز الصحة- أنّ واقع القطاع الصحي الخيري يؤخذ عليه كثيراً أنّه يفتقد لوجود تنظيم يحدد جودة الخدمة، ومن يقدمها، ومن يشرف عليها، مبيّناً أنّ هناك الكثير من القضايا التي تؤكّد الضرورة لوجود هذا التنظيم، ويأتي من ضمنها الوقوف على مستوى الخدمات، وتحقيقها لمعايير الجودة، إذ ليس لأنّ كونه قطاعاً خيرياً نتنازل عن جودته، ولا نراعي منع العدوى، والتعقيم، والتوعية؛ مما يجب أن يطبق على بقية الخدمات العلاجية التي لابد أن تقدم علي أسس علمية وبمواصفات وجودة عالية، خاصةً وأنّه في ظل غياب هذا التنظيم لا توجد مراقبة أو متابعهة، مؤملاً أن يأتي النظام ويحدد ما هي المعايير و من يشرف عليها. وأضاف أنّ الخدمات الصحية مكلفة إلي درجة كبيرة، وفي حال استمر القطاع اعتماده على ما يتلقاه فقط من تبرعات، وزكوات، وصدقات، سيبقى تأثيره محدود جداً؛ مما يوجب الحاجة إلى توعية المجتمع من أفراد وشركات ومؤسسات، وإعادة صياغة الرسالة الصحية، إلى جانب النظر لقضية التدريب والتأهيل وبناء الطاقات والقدرات في إدارة ومتابعة وتقيم هذه الخدمات، موضحاً أنّ غياب التنسيق بين هذا القطاع ووزارة الصحة لا يحدث فقط ضعفاً في تلبية الطلب، بل يتسبب في ازدواجية الخدمة، مشدداً على ضرورة تكامل الخدمات التي لا تقتصر على العلاج والمستشفي والطبيب والجهاز. د. عبدالرحمن السويلم أنظمة بيروقراطية وأكّد "د. الأنصاري" على أنّ تلك المشكلات لو تصدت لها الجهات الأخرى التي تكمل دور الوزارة ستسد ثغرة حان وقتها، متسائلاً: إلى متى سنبقى في خدماتنا الصحية نقدم الخدمات العلاجيه فقط؟، متمنياً أن لا يأتي نظام يحد ويقلص الخدمات الخيرية الصحية خارج وزارة الصحة ويقفل باب الإبداع والتغيير والخروج عن المألوف ونعود مره أخرى لنجد أنفسنا أمام نظام قريب مما هو مطبق في الأنظمة "البيروقراطية"، وغيرها التي قد تحجم العمل الخيري وتعطل وتؤخر انطلاقته ولا تيسر انفتاحه وخروجه لمساحات إبداعية واسعة. مؤسسات متخصصة وشدد "د. محمد بن أحمد إمام" -رئيس مجلس ادارة جمعية أطباء طيبة الخيرية- على أهمية تناغم القطاعات التنموية، مبيّناً أنّ العمل في الجمعيات الطبية الخيرية منظم وفق أنظمة مرسومة من قبل الجهات المشرفة لها، ولكن تحتاج أن تفعل وتحل بعض من العوائق التي تواجه مشروعاتها الخيرية من الجهات ذات العلاقة، حيث أنّها مكملة ومشاركة مع القطاع الصحي الحكومي والخاص في التنمية الصحية، منوّهاً بضرورة عدم النظر لها أنّها تنافس هذه القطاعات أو تظهر تقصيرها باتهامها، خصوصاً أنّ العاملين وأعضاء مجالس الإدارة في هذه الجمعيات الصحية الخيرية هم من المتخصصين طبياً والعاملين في القطاعات الحكومي والخاصة، ومسجلين بهيئة التخصصات الصحية. وأضاف أنّ أغلب الجمعيات تدار بطريقة مؤسسية متخصصة، وتمتلك خطط إستراتيجية، وبرامج جودة، وتنسق مع الجهات ذات العلاقة في تقديم خدماتها الصحية، سواءًا كانت علاجية، أو وقائية، أو توعوية، آخذين في الاعتبار أنّ مواردها المالية محدودة جداً، وتطالَب مثل المؤسسات الربحية بتطبيق جميع الأنظمة: السعودة، والتسجيل بالتأمينات الاجتماعية، والإدارات الحكومية ذات العلاقة، وحتى العمالة التي بكفالتها تدفع رسومها للدولة، في حين يفترض إلغاء أي رسوم في أي إجراءات إدارية تحتاجها، كدعم للأعمال الخيرية. دعم مادي وطالب "د. إمام" بدعم الجمعيات الخيرية الطبية مادياً من قبل الدولة بمبالغ تساعدها لأداء مشروعاتها أو المساعدة في الحصول على القروض لإنشاء أوقاف لها، وكذلك إعطاء الجمعيات صفة اعتبارية كاملة بحيث يحق لها إنشاء وإدارة منشآت طبية من مستشفيات، ومراكز علاج، وتسهيل إجراءاتها النظامية في الوزارات المعنية، إلى جانب السماح للجمعيات بتمويل مشروعاتها والحصول على تبرعات بأي وسيلة من دون قيود، طالما أنّها تحت إشراف جهات رقابية ومحاسبية للابتعاد عن الشبهات، واعتماد ساعات التطوع للعاملين في هذه القطاعات كما فعلت وزارة الصحة في بدل التميز، واستقطاب طلاب وطالبات الكليات الصحية باعتماد ساعات التطوع معتمدة بالجامعة كمتطلب للتخرج. واقترح تخصيص جائزة سنوية للجمعيات والأفراد العاملين في القطاع؛ للحث على العمل الخيري الطبي، منوهاً بضرورة إلزام الجمعيات أن تكون أعمالها مؤسسية وضمن خطط إستراتيجية مكتوبة ومتكاملة، مع توفر برامج الجودة، وتسهيل تحقيق ذلك لها بدعمها مالياً، وبشرياً، وتدريبياً، وإنشاء هيئة أو منظمة عالمية صحية خيرية تحت إشراف الدولة؛ لتقديم خدمات صحية عالمية تعطي صورة مشرقة للمملكة خارجيا، مثل: منظمة أطباء بلا حدود العالمية التي تساعد في أعمال الإغاثة الطبية عالمياً. خدمات شاملة وقال "د. طلعت الوزنة" -عضو مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية المرضي وأمين عام الجمعية الخيرية للتوحد- إنّ القطاع الصحي الخيري أحد أهم القطاعات الصحية إذ يعتبر عالمياً أحد المؤشرات العالمية لتحضر ورقي المجتمعات، وشريك نزيه في مجال الرعاية الصحية للفئات ذوي الدخل المحدود، ويمثل (30%) من حجم ما يقدمه من خدمات طبية في المجتمعات الدولية المتقدمة، موضحاً أنّه نظراً لأنّ النظام الحالي للجمعيات لا يخولها لتقديم الخدمات الصحية المباشرة للمواطنين والمقيمين؛ فإنّه من الضروري إعداد نظام لذلك؛ لأنّه لا يتماثل مع غيرها من الجمعيات في بقية دول العالم، ويفوت فرصة مهمة للمشاركة مع القطاعين الآخرين لاستكمال الخدمات الشاملة. وأضاف أنّه يجب التنبيه على بعض المفاهيم الخاطئة، مثل: أنّ الخدمات الصحية لهذه الجمعيات متواضعة، ولا تصل للمستوى المطلوب من الجودة، والفاعلية، والحقيقة أنّ كثيراً من المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لمؤسسات المجتمع المدني -غير الربحية- في العالم تصنف من أفضل الخدمات الصحية، بل ولديها دراسات وبحوث طبية وبراءات اختراع طبية، ولها معاهد، وكليات، وجامعات صحية، ومجلات، ودوريات طبية، تعدّ احد المراجع العلمية الرئيسة في العالم، مستشهداً بمستشفى "جون هوبكنز" في الولاياتالمتحدةالأمريكية. تعبئة العجز ولفت "د.الوزنة" إلى ضرورة الدعم المالي من قبل الدولة للجمعيات، حتى تؤدي دورها، وتنتشر في جميع أنحاء المملكة، حيث تعدّ ذراعاً قوياً وطويلاً، وذلك بتكاليف أقل وجودة أفضل؛ نظراً لتمتعها بمميزات وتسهيلات ودعم من جهات أخرى كثيرة، إلى جانب استقطاب الكوادر البشرية التطوعية ذات الكفاءه المهنية العالية، والدافعية للعمل الاحترافي المخلص، مشدداً على أهمية أن ترخص وتراقب وتحاسب هذه الجمعيات بأن تطبق أعلى معايير الجودة كمثيلاتها في القطاع الحكومي والأهلي، بل يجب أن تتفوق عليه؛ نظراً لما تتميز به من مقومات تسمح له بالتنافس للأفضل، وكذلك لابد لهذه الجمعيات أن تعمل في منظومة تكاملية مع القطاعين الآخرين لتعبئة العجز والفراغ الموجود، سواء من الناحية الجغرافية أو من ناحية مستويات الخدمات الصحية الرعاية الصحية الأولية أو الثانوية او التخصصية. دور الجمعيات الخيرية يجب أن يتجاوز حملات التوعية