تتبدّى بجلاء الصورة الإنسانية للوزير الشاعر د. عبدالعزيز خوجة في الصّدق مع الذات، وإنصاف الغير حتى من نفسه، بمرجعية أخلاقية أساسها غنى النفس وسمو الروح وإرادة الخير لكل الناس. واسترجع بالذاكرة اليوم، أسلوبه الراقي حتى في التوجيه والتعليمات، منذ أن كان وكيلًا لوزارة الإعلام.. وقد أسعدني في مجلسه الأسبوعي بإهداء أعماله الشعرية. إن قوى الروح هي طاقة الإبداع الكامنة التي تضيق بالأسر.. مفتاحها البوح والتعبير عن المشاعر.. وفي بوح الشاعر تبتّل وانقياد لبارئ الأكوان ومبدع الوجود: " تتزاحمُ كلُّ الأبْحُر، حِبرًا، ومدادًا، ودواةْ يرتعِدُ المعنى، تتوتّرُ، ترتعِشُ الكلماتْ يتصاغَرُ كلّ الشِّعر أمامكَ، تحترِقُ الأبياتْ ذَلِك أنّكَ فوقَ الوصفِ،وفوْقَ الموْصوفاتْ يا أغْلَى حُبِّ في عُمْري تعْزِفُهُ الخَفَقاتْ فيُنيرُ الباطِنَ والظّاهرَ والمكْنوناتْ " .. وفي الغربة والترحال بين الأقطار والأمصار، يوم كان معاليه سفيرًا لبلاده في عدّة دول، تؤنسه روحه الشعرية فيأخذ لوجدانه وقتًا مستقطعًا كلما فرغ من أعبائه الدبلوماسية، يتملّى فيه بجماليات الأمكنة، ويرتوي برؤاها.. إنها مساحة للراحة تدنيه حتى في الغربة من الوجدان وإنسانية الإنسان: " غريبانِ .. قد التقيا بلا موْعِدْ وضمّهما سرابُ الزّورقِ المُجهدْ بلا مجدافِ ملّاح ولا فَرْقدْ فغابا في جُفُونِ العالمِ المُسْهَدْ " والأنثى عند الشاعر الإنسان د. عبد العزيز خوجة هي أم الحياة.. فكما أن خزائن الأرض تزخر بالنعمة فخزائن المرأة هي غُرف القلب التي تمتح رقة وحبًا، إن استطعنا أن نصل إلى جوهر إنسانيتها واحترمنا عواطفها. هاهي على لسان شاعرنا تتدفق رقّة وحنانًا: " شيء ما يتسلل في أوردتي مثل الشّلال يتمدّدُ فيها ألوانًا وخيالْ .. ألوانًا قزحيّة همساتٍ ورديّة وعيونٍ غيبيّة تتحدّى كلّ مُحالْ " .. إنّها المجرّة التي تدور في فلك من تحب: " يكفيني أنّك كوني تحميني من نزقِ الهِجْرة تكفيني منكَ الفِكْرة كيْ أحيا عندَ مدارِكَ حُرّة " .! وهكذا نرى كيف أن الحياة تمنحنا لحظة حظ.. إنّها الصدفة غير المتوقعة مكتوبة في قدر الله وعلمه، وهي أشبه بلحظة الميلاد: " توحّدنا بلا ميعاد وجاوزنا مدى الآماد وكان لقاكِ آفاقي وكان بداية الميلاد".