الاتفاق يتغلب على الخليج بثنائية في دوري روشن للمحترفين    حرس الحدود بتبوك يحبط تهريب 29,229 كجم «حشيش»    «هيئة النقل» تشدد على الناقلين في المملكة بمنع نقل الركاب المتوجهين لمكة أو المشاعر المقدسة    البرلمان العربي يدين الغارات التي شنها كيان الاحتلال مستهدفًا محيط القصر الرئاسي السوري    أخضر الخماسي الحديث يختتم كأس غرب آسيا لليزر رن ب12 ميدالية    يايسله لجماهير الأهلي: لا داعي للقلق.. جاهزون ل «مفاجآت» كاواساكي    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب تطلق فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لعلاج العقم    البنك المركزي الأميركي لا يجد مبررا للإسراع في خفض أسعار الفائدة    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    شتيغن يعود لحراسة برشلونة    بلدية محافظة الأسياح تشارك في أسبوع البيئة    ذخيرة الإنسان الأخيرة" يخطف الأضواء في الطائف    أمير تبوك يستقبل رئيس لجنة جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز    محاضرة عن "الولاء والانتماء" في وادي الدواسر    نائب أمير منطقة مكة يشهد حفل التخرج الموحد للتدريب التقني والمهني    الطليعة والكواكب وجهًا لوجه في نصف نهائي بطولة صبيا    أرفى تطلق فعاليات التوعية بالتصلب المتعدد من كورنيش الخبر    وفد وزاري يناقش الخطط التنفيذية مع صحة جازان    إمام المسجد الحرام: البلايا سنة إلهية وعلى المؤمن مواجهتها بالصبر والرضا    إمام المسجد النبوي: الاشتغال بما لا يعني سببٌ للتعاسة ومصدرٌ للخصومات والندامة    الشركات العائلية تقود 60 % من الناتج المحلي لدول الخليج    أمير القصيم يشيد بجهود جمعية "كبدك" في تنمية مواردها المالية ويثني على أدائها المميز    يايسله يعلق على مواجهة كاواساكي:    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    المياه الوطنية تحقق المركز الثاني في جائزة التميز لتفضيل المحتوى المحلي    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    الهلال الأحمر بالشرقية يدشّن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية بجسر الملك فهد    524 جهة عارضة من 20 دولة في أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    امطار وزخات من البرد ورياح في عدة اجزاء من مناطق المملكة    مدير منظمة الصحة العالمية: وضع غزة كارثي ومليونا شخص يعانون من الجوع    نائب أمير المنطقة الشرقية يرعى تخريج الدفعة 46 من طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل    أمير المدينة المنورة يرعى حفل تخريج الدفعة السابعة من طلاب وطالبات جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    توثيق البطولات وعراقة الاتحاد    الذكاء الاصطناعي يحسم مستقبل السباق بين أميركا والصين    أرقام آسيوية تسبق نهائي الأهلي وكاواساكي    في إلهامات الرؤية الوطنية    ذواتنا ومعضلة ثيسيوس    الترجمة الذاتية.. مناصرة لغات وكشف هويات    نظام جديد للتنبؤ بالعواصف    المملكة نحو الريادة العالمية في صناعة الأدوية    غزة.. حصار ونزوح    تراجع الديمقراطية في أمريكا يهدد صورتها الدولية    سكرتير الأديان في بوينس آيرس: المملكة نموذج عالمي في التسامح والاعتدال    بريطانيا تنضم للهجمات على الحوثيين لحماية الملاحة البحرية    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    أمير الشرقية يثمن جهود الموارد في إطلاق 6 فرص تنموية    انخفاض وفيات حوادث الطرق 57 %    845 مليون ريال إيرادات تذاكر السينما في السعودية خلال عام    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    واشنطن تبرر الحصار الإسرائيلي وتغض الطرف عن انهيار غزة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بساطة التفاصيل
للعصافير فضاء
نشر في الرياض يوم 17 - 10 - 2013

كانت تبدو لي وكأنها لوجه، خارجة عن إطارها، صورة عتيقة، قادمة من البعيد، من زوايا لم أكن أعرفها على الأقل في تلك السن المبكرة.
وكانت بالنسبة لمن (يتربعون) كل أسبوع للاستماع إليها، امرأة قادرة على الجذب، والإنصات، وعدم المقاطعة.
كانت فاكهة ليلة الجمعة، ولا فاكهة سواها في المنازل المتلاصقة، لا ضمانة في حجز مكانه لمن حضر متأخراً، بالنسبة لي كان الأمر سهلاً وبسيطاً، كنت اذهب مع والدتي إلى بيت جدتي حيث الاجتماع، ولا مكان لي سوى خلف أمي، أو خالتي لأن «القعادة» أو السرير الذي كان تجلس عليه السيدات يتسع لأكثر من عشر نساء على الجانبين.
اسمها في حد ذاته كان كارثياً، وهو كان معتاداً رغم غرابته، وتقاطعه مع ايديولوجيا ذلك العصر، ولكن ورغم أنه عمق اليسار، وقمة ومحور اللينينية، والماركسية إلا أنها لم تعرف ذلك، ولم يعرف من يستمع إليها، خاصة أن اسمها ينطق ويسجل اعتيادياً.
سيدة يمنية لا أعرف إن كانت على قيد الحياة أم توفيت رحمها الله، ولدتُ وهي في حارتنا، «شوعية» الاسم الحقيقي وليس الحركي، هي لا تعرف متى جاءت إلى جيزان كل ما تعرفه أنها فتحت عينيها في جيزان، ولم يكن هناك فرق أو تفرقة بين المواطن والمقيم، خاصة إذا توقفنا عند تقاطع عدم وجود أنماط أخرى أو جنسيات أخرى سوى اليمنيين، وهم أقرب في الطباع إلى سكان المنطقة.
خالة شوعية، سيدة متوسطة القامة، بيضاء اللون، نحيفة جداً تلتف بعباءتها وترفعها كعادة نساء تلك الأيام إلى منتصف الثوب الذي ترتديه وتلفها عليها، مع غطاء شفاف وخفيف، على الوجه، زوجها صياد سمك، وبائع له، لا أراها إلا مساء كل خميس، ونساء الحي يلتفون حولها، وأكاد أنا أكون الطفلة الوحيدة التي تظل تسترق السمع.
خالة شوعية عرفت «بالحكاءة» أو الحكواتية وهي مهنة تحتاج إلى موهبة خاصة، وجرأة رهيبة، وقدرة على ضبط الحاضرات، وعدم خروجهن من مسار المتابعة.
خالة شوعية مساء الخميس وبعد المغرب تجلس في صدر المجلس، مفرطة في الهدوء أقدامها معلقة بين الأرض ومكان جلستها، عباءتها لا تخلعها، وغطاء شعرها يغطي نصف الشعر المختلط أبيض وأسود، ويتوسطه مفرق في المنتصف وتسريح الشعر على الجانبين ولفة في جديلتين خلف الرأس مع تغطيته بالإيشارب.
(صلوا على سيد الخلق محمد بن عبدالله) عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
كان يا ما كان (رجاّل) بمعنى رجل واحد وتبدأ الحكاية وكأنها من حكايات ألف ليلة وليلة قد تستمر نصف ساعة، ولا يقاطعها أحد، وقد تطول أكثر، والجميع ينصت بهدوء، حتى تنتهي وغالبية الحكايات تنتهي بزواج البطل من البطلة بعد العذاب وموت الشرير، أو الشريرة.
الغريب أنه بعد انتهاء الحكاية لا تبقى حكاية كما كانت بل تفتح ساحة النقد البريء والإفراط في التفاصيل وكأنك في جلسة أو أمسية أدبية، تحليل وتخيل صور هلامية، وفرح بأن الله سبحانه وتعالى نصر البطل، أو البطلة.
لا أعرف لماذا أتذكر هذه الصفحات القديمة وأنا أدون صفحات جديدة هل لأنني اكتشف الآن من ساهم في صناعة هذا الطريق الذي أعبر عليه؟
أتذكر حكاياتها البريئة، والتي في احدى المرات احتجت سيدة على وجودي بحكم صغر سني في السابعة أو الثامنة، لكن خالة شوعية قالت لا (إحنا ما نتكلم ولا نحكي في العيب وما نستحي منه) بمعنى أنها كانت حكايات نظيفة كالسينما النظيفة.
أتذكر وكأنني اتخلص من صور مغلّفة بالإنسانية والفرح، ولا يمكن استبدالها بما يبددها.
يظل بعض البسطاء هم الأبطال الذين شكلّوا مسارنا، ولا شيء أكثر حقيقة في هذه الأرض مما كنا نتخيله عبثاً وحكايات من بساطة التفاصيل، وذلك الزمن البريء الطفولي الغارق في المودات، والحب، والإنسانية، وتلك الأشياء التي وإن لم أكن أعي تأثيرها إلا أنها شكلّت المتغير الأساسي في داخلي، ونقطة الاعتزاز..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.