لا يوجد في السياسة أمور ثابتة، فهي متحركة ضمن دوائر مصالح أمنية واقتصادية، ومن هنا يصعب الرهان على اتجاه واحد لأي دولة عظمى، أو متناهية الحجم والصغر، ومنطقتنا التي شهدت واكتوت بنكبة فلسطين، أصبحت عند الإسرائيليين احتفالاً بيوم الاستقلال، والفوارق كبيرة بين دولة استطاعت أن تجعل القوى الكبرى في خدمتها ويمتد نفوذها داخل صانعي القرار في أمريكا وأوروبا، وبين دول عربية تستجدي السلام المستحيل، وتتسول وساطة حلفاء أعدائها.. المفارقة أن الأحزاب الإسرائيلية المختلفة والمنقسمة على بعضها، انتهجت سلوك التحالف بين الأضداد، وضمن مفهوم الأمن الوطني متناسين المشاحنات والتباعد بينها، وهذا النضج لا يأتي إلا من قيادات تتجاوز ذاتها إلى مصالح وطنها العليا.. مضت (64) عاماً على النكبة، وكانت ظروف الفلسطينيين قبل النكبة الأخرى عام 1967م أفضل حالاً وأوسع رقعة، وهم الآن يسعون للاحتفاظ بتلك الأرض المحتلة، وفي أجواء تركض حماس باتجاه إيران التي ستحرر الوطن من البعوضة الصغيرة، كما يقول (نجاد)!! وبين الراكضين الآخرين خلف سراب السلام بالبحث عن طريق مفتوح للمفاوضات، والخلاف لا يفسر أنه أيدلوجي لكل طرف منحاه، أو أنه توزيع أدوار يلتقي الفرقاء على الأساسيات، ويختلفون على الفرعيات، بحيث يستغلون أي داعم لقضيتهم وفق منهج وخطط بعيدة واستراتيجية.. الصوت الفلسطيني في زحمة الأحداث العربية التي عصفت بأكثر من نظام، وسبقتها الأزمات المالية للغرب وأمريكا، أصبح خافتاً إن لم يكن متلاشياً والعملية ساهمت بها القيادات الفلسطينية التي تشبه أصلعين يتخاصمان على مشط، فالأرض تتوسع بها إسرائيل في بناء المستوطنات، والفلسطينيون في حالة خصومة شخصية تغلفها شعارات انتهت صلاحياتها، وعملية التشرذم أضرت بالشعب الفلسطيني الذي بات اهتمامه بفرص دواء وتوفير الخبز والمياه والكهرباء والوقود وغيرها، أهم من مواجهة إسرائيل، وهذا الحس العام لم يكن سببه شعور بنسيان قضيتهم، لكن بسبب خيبة الأمل التي جعلتهم ضحية من العدو ورب الدار.. نكبة تمت بوضع كان العرب كلهم بلا قوة ولا موارد، وأمية وفقر طاغيين لكننا الآن، ورغم توفر الإمكانات، تحولنا إلى أحزاب وقبائل لقوى تتصارع على أهداف مجهولة مذهبية وطائفية وطاقات مهدرة، وقطعاً في ظل هذه الأوضاع همشت القضية الفلسطينية شأنها شأن قضايا أمنية وتنموية عربية غرقت في أفكار بعيدة تماماً عن إيجاد أو خلق ظروف لبناء وطني جديد.. إسرائيل أصبحت لاعباً أساسياً في المنطقة، وقد تكون محوراً مع إيران في تقاسم تركة العرب، والمسؤولية لا تتعلق بالوضع الذي آلت إليه أوضاع الفلسطينيين مع بعضهم، بل بالظرف العربي الذي أصبح ضبابياً انهزامياً، ولولا بعض الأمل الذي بدأ يضع بعض الأفكار، فالصورة العامة لا توحي بأن شيئاً ما سيحدث يغير إيقاع الحالة الفلسطينية مع إسرائيل، وبالتالي فالنكبة مستمرة، وكل ما نخشاه أن لا تلحقها نكبات تعصف بكل الوطن العربي!!