لم يخطر بالبال يوماً من الأيام أن تقوم المكاتب العقارية بطلب تأسيس شركات صناعية وذلك لاختلاف الاختصاص إن صح التعبير لكن المفاجأة الكبرى هي أن تجند تلك المكاتب من يقوم بتسويق حصص المؤسسين بزيادة تفوق عن 100٪ أحياناً عن القيمة الاسمية للسهم، والإنسان جبل على حب المال وانجرفت وراء ذلك العرض بطلب جزء كبير من الأسهم لتأسيس الشركة وأرسلت طلبي إلى الجهة التي طلبت ارسال نماذج التعهد إليها بدفع القيمة الأسمية للسهم وزيادة عشرين ريالاً أي (سبعين ريالاً) بعد توقيعي عليه إلا أنني اشترطت أن يصاحب دفع المبلغ الترخيص التجاري والترخيص التعديني واستكمال إجراءات التسجيل رسمياً وفقاً لنظام الشركات، وحيث لم ترد إليّ أية إجابة على طلبي قمت بالبحث عن الموضوع ووجدت أن هناك اتفاقية بين صاحب مؤسسة مقاولات حصل على ترخيص صناعي بإحدى المناطق لإنشاء مصنع لإنتاج الأسمنت وصاحب شركة تطوير عقاري على أن يلتزم صاحب الترخيص للمسوق بعمولة أوضحتها فقرة من مواد الاتفاقية كما يلي (في حالة قيام الطرف الأول باحضار مساهمين لإنشاء المصنع بأن له استحقاق ما نسبته (10٪) من القيمة التي يدفعها كل مساهم للدخول في إنشاء المصنع أي أن تكون إجمالي حصة الطرف الأول (5٪) من إجمالي قيمة المشروع خصماً مما دفعه المساهمين ومن قرض صندوق التنمية الصناعية السعودي) واتضح من خلال البحث والتحري والتدقيق بأن الدراسات المقدمة مجرد دراسة أولية أخذت من مصادر الانترنت ومن الصحف المحلية كما أن هناك غياباً شبه تام للتنسيق بين الجهات المختصة بالتراخيص الصناعية وهي وزارة التجارة والصناعة ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة البترول والثروة المعدنية وعدم وجود شفافية بين تلك الجهات مما حدا بوزارة التجارة والصناعة أن تصدر حوالي أربعة وعشرين ترخيصاً لإنشاء مصانع الاسمنت دون التنسيق مع وزارة الاقتصاد والتخطيط أو حتى طلب دراسة جدوى أو أية شروط كما كان متبعاً في السابق عن حجم الطلب في ظل النمو السكاني وتوسعة المصانع الحالية والبالغة عددها ثمانية مصانع أسمنت في المملكة كلها لديها توسعات، حيث تنتج هذه المصانع حالياً ما يقارب من 24 مليون طن سنوياً أي أكثر من طاقتها التصميمية وبعد التوسعات التي سوف تنتهي بعد عدة أشهر سوف تزيد الطاقة الإنتاجية ال 34 مليون طن سنوياً. علينا أن نقف وقفة تأمل ودراسة قبل أن تسعى وزارة التجارة والصناعة إلى إصدار تراخيص (بالشيول) وأن نفكر عن ماذا سوف يحدث لهذه المصانع مستقبلاً إذا زاد الإنتاج وقل الطلب. وهل قامت وزارة التجارة والصناعة بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتخطيط حول هذا الموضوع وما دور صندوق التنمية الصناعية السعودي ودور الجهات الحكومية المساهمة في تلك المصانع القائمة. إن مستوى النمو الحالي والطلب على الاسمنت لن يستمر طويلاً وإن هناك دورة اقتصادية لا يمكن أن نتجاهلها كما لا ننسى في دراستنا أن الدول المجاورة لديها أيضاً توسعات لمصانعها وإنشاء مصانع أخرى ولا ننسى أيضاً أننا سوف ننضم إلى اتفاقية التجارة العالمية وهذا يعني أن كمية من الاسمنت سوف تصل إلينا شئنا أم أبينا ثم تبدأ حرب الأسعار بين الشركات ويبدأ الكساد الاقتصادي ثم ننتظر صندوق الاستثمارات العامة لينقذ هذه المصانع بعد فشلها ويتحمل هذا الصندوق أخطاء الآخرين الذين لم يقدروا حجم الطلب على الأسمنت والنمو السكاني وما سوف تجلبه علينا الدول المجاورة بعد انتهاء توسعاتها. وهل سوف تستمر قيمة برميل البترول في هذا المستوى من السعر للثلاث أو للخمس سنوات القادمة علينا أن ننتبه قبل فوات الأوان. وأخيراً آن الأوان لاعادة النظر في التراخيص الصناعية التي منحت أو التي سوف تمنح مستقبلاً بأن تكون وفقاً لنظام الشركات والعرض والطلب والجدوى الاقتصادية وفوق ذلك كله الاستراتيجية الصناعية دون اللجوء إلى المكاتب العقارية لطلب مؤسسين لا يهتمون في إنشاء الشركات وإقامة المصانع وإنما همهم الربح المادي فقط والسريع وكأنهم مضاربون في سوق الأسهم. لذا فإننا نحتاج إلى مزيد من الشفافية والوضوح في إدارة أعمالنا واقتصادنا.