في اللحظات الأولى لاشتعال الثورة المصرية وقبل أيام من الإعلان عن تخلي مبارك عن السلطة وتفويض المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد صدر توجيه استخباري أمريكي يصف ما يجري في مصر فجر الأول من فبراير 2011 بأنه «انقلاب هادئ دبّره الجنرالات في الجيش» لإنقاذ النظام وتيسير خروج صديق قديم منه.. لكن في تصوري إن الانقلاب الحقيقي بصورته الأعنف لم يأتِ بعد، وإن كانت مؤشرات اقترابه قد لاحت في الأفق. سيناريوهات المستقبل في مصر لا تبدو غامضة كما يتصور كثيرون.. فالمشهد السياسي قد بدأ يأخذ حجم كرة الثلج الضخمة الآخذة في الانحدار إلى أسفل التل تسحق معها عظام من يعترض طريقها.. مشهد الانسحاب من تأسيسية الدستور يستهدف تكريس حالة الانقسام والتحزب الدائرة من اللحظات الأولى للاستفتاء على الإعلان الدستوري الذي تدار به البلاد منذ إقصاء الرئيس السابق.. بدا لحظتها أن مصر التي عرفت على مدى عقود بهويتها الوطنية المتفردة قد انتقلت إليها عدوى الطائفية السياسية والدينية التي أشعلت أوطاناً عربية كثيرة من حولها.. ثم جاءت الانتخابات البرلمانية لتزيد من حالة الاحتقان السياسي باكتساح الإسلاميين لمقاعد البرلمان وإقصاء لتيارات وطنية أخرى لم تغادر الطرقات منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، لكنها لم تلق حظاً في اللعبة السياسية لاعتبارات تخرج عن إرادتها وتتعلق بمخططات سرقة الثورة مثلما يحدث في مناطق متفرقة من العالم وأزمنة متباعدة غير منتظمة في سياق زمني محدد، لكنها في المجمل تلخص نفسها بأن الثورة يقوم بها الأوفياء ويحصد ثمارها الأذكياء.. التطورات التي تشهدها الساحة المصرية تظهر ميلاً متنامياً بالمزاج العام يقبل تدخل الجيش المصري بشكل مباشر في الشؤون السياسية للدولة، فالجيش هو الذي يسيطر على الأوضاع في مصر الآن كلما اقتربت من التدهور الحاد والسريع، بينما قوى التغيير الإسلامي غارقة حتى أذنيها في العبث السياسي بالبلاد لحساب مصالحها الضيقة ومصالح من دفعوا بها إلى الصفوف الأولى، وهو ما أدركته قوى التغيير بأطيافها المتباعدة فكرياً، لتعيد ترتيب مواقف أكثر تقارباً في مواجهة تيارات الإسلام السياسي الصاعدة.. نحن إذاً في المشهد المصري أمام محاولات للتوازن بين القوى السياسية وحالة من السيولة تفتح الباب لعدة سيناريوهات، الأول هو أن ينجح المجلس العسكري في فرض أجندته السياسية والانحياز لمصالحه على حساب جميع القوى المتصارعة، والسيناريو الثاني هو أن تصل الأمور إلى نقطة التوازن بين أطراف اللعبة السياسية ويحدث التوافق حول مظلة دستورية تؤمن لمصر خروجاً آمناً من أزمتها السياسية، والسيناريو الثالث الذي بدأت تتنبأ به بعض الأقلام هو انقلاب عسكري مشابه لما حدث عام 54 من انقلاب على الحياة المدنية والدستورية وحل جميع الأحزاب والبرلمان وفتح السجون والمعتقلات، خاصة أن «الهم الإستراتيجي الذي يشغل بال واشنطن هو الحيلولة دون حدوث انهيار تام للأوضاع في مصر، مما قد يفسح المجال أمام مصادر تأثير سياسي غير مرغوب فيها وبخاصة «الإخوان المسلمون».. ومع ذلك فإن الإخوان كان لديهم فرصة تاريخية للمصالحة مع قوى المجتمع بينما هم مقبلون على معركة تكسير عظام مع المجلس العسكري!!