صحيح أن الشعراء هم "أمراء الكلام، يُصرّفونه أنّى شاؤوا، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم.. ويُحتج لهم ولا يُحتج عليهم" بحسب رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي ومن يؤيدونه. إلا أن هذا الكلام لا يُبيح للشاعر اتخاذ مقولة: (يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره) غطاءً لبعض التجاوزات التي لا يُمكن قبولها، كتلك التجاوزات التي تمس العقيدة أو تنتهك الأخلاق وتتنافى مع الذوق العام، ولا يمكن أن تكون كذلك تبريراً لجوانب الضعف والهزال والقصور الفني في قصيدته، إذ يُفترض في الشاعر الحرص على الابتعاد بشكل تام عما يخدش سمع المتلقي ويؤذي مشاعره ويحرص بشدة على تجويد قصيدته واكتمال عناصرها الجمالية، فهذه العبارة وإن قُبلت على تحفظ حين يكون تجاوز الشاعر تجاوزاً فنياً يسيراً إلا أنها لا تسوغ له الوقوع في هفوات كبيرة وتجاوزات من النوع الذي أشرنا إليه، فحين يصل التجاوز لهذه الأمور ينبغي أن تكون الصياغة الجديدة للعبارة هي: (يجوز لغير الشاعر ما لا يجوز له)، على افتراض أن الشاعر هو الأكثر ثقافةً ووعياً بالخطوط الحمراء التي يحظر عليه - وعلى غيره - تجاوزها، وبأهمية رسالته وتأثيرها والدور الذي يضطلع به في المجتمع. *** اتجاه الشعراء الشعبيين للاهتمام بجانب الأداء الحركي أو الجسدي سواء في الأمسيات أو البرامج الشعرية أصبح أمراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وقد يكون هذا الأمر مؤشراً جيداً لوعي الشاعر بأهمية التفاعل مع مضمون قصيدته وحرصه على إيصالها للجمهور وتأثيرها فيه، ولكن المُخجل والمُضحك في هذه المسألة هو تحول الشاعر بسبب التكلف الشديد في افتعال بعض الحركات إلى ما يُشبه المُمثل الفاشل أو المُبتدئ الذي لا يستطيع المواءمة بين حركته أمام الكاميرا وبين النص الذي اجتهد في حفظه عن ظهر قلب، ولعل المشهد الذي تكرّر أكثر من مرّة هذا العام في حفلات أصحاب الإبل، حين يقوم الشاعر بالتظاهر بالانفعال وشدة الحماس ويقوم بقذف (شماغه وعقاله) على الحاضرين، نموذج جيد لتوضيح استغلال بعض الشعراء لهذا العنصر (التكميلي) ولكل عامل إيجابي بشكل سلبي، ليكون الشاعر في نظر المُتابعين أكثر (إضحاكاً) بدلاً من أن يكون أكثر (إقناعاً)..! أخيراً يقول المبدع فهد العيباني: أنا حبيبك حاولي تذكريني وإن ما ذكرتيني تراني مسامح إي والله إني عاذرك صدقيني الحزن ما خلا بوجهي ملامح!