ولي العهد.. نجم السعد    حائل: وكيل وزارة البلديات يطلع على «إتمام»    "الهيئة الملكية للرياض" تعالج الازدحام المروري    النفط ينخفض مع تزايد مخاوف الطلب الأميركي على الوقود وتوقعات العرض    15 مليار ريال سوق الأمن السيبراني    تداول يواصل هبوطه الأسبوعي    خدمة رقمية لإيصال المياه للمشاريع    انتخاب المملكة لعضوية مجلس محافظي «الطاقة الذرية»    ماكرون: نعمل معاً من أجل تحقيق السلام.. ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج «حل الدولتين»    إسدال الستار على «الفضاء مداك»    علاقات خارجية متوازنة    صيني يدفع المال لابنته مقابل «رسالة»    رغم قرب التوصل لاتفاق.. إسرائيل تتوغل بريف القنيطرة    الاتحاد يصعق النجمة بهدف «كانتي» في الوقت القاتل    جيسوس يساند لاعبه وسط الانتقادات    ولي العهد يهنئ إيدي راما بأدائه اليمين رئيساً لوزراء ألبانيا    تعادل الحزم والفتح سلبياً    أخضر الناشئين يكسب البحرين برباعية في كأس الخليج    بحضور أمراء ورجال أعمال .. بن داوود والعبدلي يحتفلان بعقد قران عبدالعزيز    16 مليون شخص يتابعون « الشمس المكسوفة»    آل العطار يزفون أحمد ويوسف    مبادرة كنوز السعودية بوزارة الإعلام تطلق المسلسل الكرتوني "الرهيبين"    إعلان الفائزين بجوائز«صناعة الأفلام»    مي كساب:«اللعبة 5» موسم مختلف    40 فعالية في احتفالات اليوم الوطني بمركز«إثراء»    395 مليون ريال لتنفيذ مشروعات تطويرية لمساجد المدينة المنورة    فعاليات في جامعة الملك خالد عن سلامة المرضى    استخدام تقنية دقيقة ومتقدمة تسهم بإنقاذ مريض مصاب في حادث سير    اليمامة الصحفية تنظم فعالية التطعيم ضد الأنفلونزا الموسمية    الصحة: 96% من مرضى العناية لم يتلقوا «اللقاح»    قلة النوم ترفع الضغط وتزيد مخاطر السكتات    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة صيتة    المملكة تُخفّف معاناة المحتاجين    خطيب المسجد الحرام: استحضروا عظمة الله وقدرته في كل الأحوال    إمام المسجد النبوي: من أراد الهداية فعليه بالقرآن    مصر: القوات المنتشرة في سيناء تستهدف تأمين الحدود ضد المخاطر    69% تراجع بقضايا المزادات العقارية    اليوم الوطني المجيد والمرونة التي تحفظ الوطن وتعزز أمنه    نائب أمير منطقة القصيم يستقبل محافظ الأسياح وفريق أبا الورود التطوعي    نائب أمير الشرقية يرأس اجتماع مجلس هيئة تطوير الأحساء    كسوف جزئي نادر غير مرئي عربيا    التعادل السلبي يخيّم على مواجهة الحزم والفتح    عبدالرحمن الأحمدي يكتب.. إنزاغي وجماهير الهلال!    النصر يتفنن على الرياض بخماسية    شرطة الرياض تقبض على (3) أشخاص لاعتدائهم على آخر    201 مبتعث ومبتعثة في نخبة جامعات كندا    ضمان الزواج    ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج مؤتمر حل الدولتين وتفعيل الجهود الدولية    1.380 ميار ريال دعم سعودي جديد لليمن    جائزة اليونسكو الفوزان الدولية تعلن عن أسماء الفائزين في النسخة الثانية    «الداخلية»: العلم السعودي .. مجدٌ متين .. وعهدٌ أمين    الجدية في طلب العلم النهوض وميزان الحضارة    واجبات ومحظورات استخدام علم المملكة    أثر الحوار في تعزيز المشاركة لدى طلاب الثانوي    الرويلي يشهد حفل تخريج دورة التأهيل العسكري للأطباء الجامعيين ال 12 من طلبة كلية الأمير سلطان العسكرية للعلوم الصحية بالظهران    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيار الليبرالي السعودي..
نشر في الرياض يوم 08 - 01 - 2012

قبل مدة، وفي برنامج حواري مباشر على إحدى القنوات الفضائية السعودية الخاصة اتهمني أحد عرّابي التيار المتشدد بأنني و"حفنة" من المثقفين نُعتبر من الليبراليين السعوديين الجدد الذين لا همّ لهم إلا تغريب المجتمع، والقضاء على أخلاقياته وقيمه وثوابته، وإسقاط رموزه الدينية. هذه "الوصفة" الجاهزة والمكرورة حد الامتعاض، لم تستفزني مطلقاً، بل على العكس تماماً، تُحرضني أنا وغيري طبعاً لفضح كل أولئك المتشددين المتشدقين بالانتماء للإسلام الذي يدعو للعدل والمساواة والحرية وكل القيم والمبادئ النبيلة، بينما هم في حقيقة الأمر، بعيدون كل البعد ، بممارساتهم ، عن كل تلك المبادئ والقيم الإسلامية الرائعة، بل هم للأسف الشديد، يُشوهون الصورة الجميلة للإسلام، هذا الدين السماوي العظيم الذي يفخر كل مسلم بالانتماء والانتساب له. لم تكن المرة الأولى التي يصفني أحدهم بذلك، ولكن الجديد هذه المرة، والذي دفعني لكتابة هذا المقال، هو السؤال المفاجئ من ابنتي زهراء (10 سنوات)، والتي شاهدت بعضاً من تلك الحلقة المزعجة: "بابا، ليش يقول عنك ليبرالي... ايش يعني ليبرالي؟" سؤال كهذا من هذه الصغيرة وقع علي كالصاعقة، بل أصابني بالدهشة والقلق والخوف.
المتتبع لحركة المجتمع السعودي خلال العقود القليلة الماضية، يُلاحظ ظهور العديد من التيارات الثقافية والفكرية والدينية، لأن المجتمع السعودي، وإن كان يتمتع بخصوصية يُثار حولها الكثير من اللغط والجدل، إلا أنه لا يختلف كثيراً عن باقي المجتمعات العربية
كم هو محزن ومحبط أن يصل بنا الأمر لهذا الحد من الصراع المفتعل الذي لا مبرر له، حيث تُساق الاتهامات والشكوك جُزافاً ضد كل من يُحاول التفكير خارج الصندوق، هذا الصندوق الذي يُراد له أن يحمل فكراً واحداً، وصوتاً واحداً، وتياراً واحداً.
إن المجتمعات المتطورة والمتمدنة، هي التي تتمتع بالحيوية والديناميكية والتحديث والمغامرة والحرية والقبول بالآخر، مهما كان هذا الآخر، لا أن تتوقف عند قناعات وموروثات وعادات تجاوزها الزمن، فبعض تلك العادات والقناعات لم تعد صالحة أو مناسبة لهذا الزمن المتسارع الذي كشف عن الكثير من زيفها وتخلّفها.
أعود لمصطلح "الليبراليون السعوديون الجدد"، هذا المصطلح الذي بدأ يتمظهر كثيراً في كتابات وقناعات الكثير ممن يترصدون لأي فكر أو صوت أو تيار بشّرت به الألفية الثالثة بعولمتها (Globalization)، وبثورتها المعلوماتية والتقنية الهائلة.
لقد طوّر حراس الفضيلة وسدنة القيم من المصطلحات والاتهامات التي يرمون بها كلّ من يخالفهم في الرأي أو الفكر أو الأسلوب، حيث بدأ مسلسل الاتهام والتشنيع والتشهير بمفردات كريهة كالزنادقة والرويبضة وزوار السفارات وكتّاب المارينز والمأجورين والعملاء والمنافقين والملحدين والطابور الخامس والعلمانيين والليبراليين، وأخيراً وليس آخراً، النسخة المطورة، وهي الليبراليون الجدد.
وقد انتشرت هذه التهم البغيضة بشكل كبير جداً في غالبية المجتمعات العربية في العقد الأول من القرن الحالي، وتحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر، وقد ساعد على انتشارها هيمنة الإعلام الالكتروني أو ما يُمكن أن يُطلق عليه ب "الواقع الافتراضي المتشدد"، والذي تمثَّل بكثافة في الصحف الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر، وغيرهما من وسائل ووسائط الإعلام الجديد.
ولكن، من هم الليبراليون السعوديون الجدد الذين تُثار حولهم ما بين الفينة والأخرى هذه الضجة المفتعلة، ويُنسب لهم كل ما يُحاك من مؤامرات ودسائس هدفها إفراغ المجتمع السعودي من هويته العربية والإسلامية، والقضاء على ثوابته وقيمه وتراثه، والعمل على تغريبه واستئصال جذوره ومحو شخصيته، وكذلك السقوط بالمرأة في براثن الرذيلة والانحراف؟!
قبل الإجابة عن هذا السؤال الكبير والملتبس، أجدني مضطراً كما أظن طبعاً للعودة للوراء قليلاً، وكتابة مقدمة بسيطة عن نشأة الليبرالية في أوروبا وفي العالم العربي.
ليبرالية (من Liber وهي كلمة لاتينية تعني الحر)، هي مذهب سياسي أو حركة وعي اجتماعية، هدفها تحرير الإنسان ، كفرد أو جماعة ، من القيود السلطوية السياسية والاقتصادية والثقافية. وهي فلسفة ترى بأن الفرد هو المعبر الحقيقي عن نفسه، بعيداً عن التجريدات والتنظيرات، ويملك الحرية الكاملة في الحياة والفكر والمعتقد والضمير، بمعنى حق الحياة كما يشاء الفرد نفسه وفق قناعاته، لا كما يُشاء له.
إذاً الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية. وقد تطورت الليبرالية، كمنهج فكر وحركة وعي في أوروبا عبر أربعة قرون، ابتداءً من القرن السادس عشر وحتى عصرنا الحالي.
وقد ظهرت ملامح التيار الليبرالي العربي في نهاية القرن التاسع عشر على يد قادة الفكر التنويري أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم. ومنذ ذلك الوقت المبكر جداً، تعاقبت عدة أجيال من الليبراليين العرب، كما تعرض هذا التيار الجديد للكثير من الصدامات والتشكيكات والتحديات، لكنه استطاع أن يواصل مسيرته الصعبة كأحد التيارات العربية المختلفة الُمكوّنة لنسيج المجتمعات العربية.
أما مصطلح التيار الليبرالي الجديد، فإنه لم يبرز إلا حديثاً، كصيغة معدلة ومطورة لهذا التيار المهم في مسيرة الإصلاح والتنوير في كل المجتمعات العربية. وقد تركزت مطالب الليبراليين منذ جيل الرواد الأوائل وحتى الآن في عدة محاور أهمها، الحرية المطلقة للفكر والدين والتراث، والمساواة بين كل الطبقات، وكذلك بين المرأة والرجل، والتعددية السياسية والفكرية والثقافية، والإصلاح الديني والتعليمي والاجتماعي، وتطبيق مبادئ الديمقراطية، ومحاربة الدكتاتورية بمختلف أشكالها ومستوياتها، والمطالبة بإقامة المجتمعات المدنية، والدعوة للتسامح والسلم المجتمعي، واحترام استقلالية الأفراد والمجتمعات، والمطالبة بمبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة المفتوحة، وإشاعة ثقافة التنوع والتعدد والاختلاف، والدعوة لاحترام حقوق الإنسان ونبذ الاستبداد والشمولية، وتبني منهج الحداثة والتجديد، والانفتاح على الحضارات والتجارب الأخرى، وعدم الاكتفاء والانكفاء حول الحضارة والثقافة العربية التي لم يبق منها سوى التاريخ.
الآن، وبعد كل هذا السرد التاريخي لنشأة ومسيرة التيار الليبرالي، سواء في العالم العربي أو في العالم بأسره، لابد أن نقترب قليلاً من المشهد السعودي لنرصد، ولو بشيء من الإيجاز، حقيقة هذا التيار في واقع المجتمع السعودي.
والمتتبع لحركة المجتمع السعودي خلال العقود القليلة الماضية، يُلاحظ ظهور العديد من التيارات الثقافية والفكرية والدينية، لأن المجتمع السعودي، وإن كان يتمتع بخصوصية يُثار حولها الكثير من اللغط والجدل، إلا أنه لا يختلف كثيراً عن باقي المجتمعات العربية. وقد ظهرت الليبرالية السعودية، كتيار وسلوك في منتصف القرن الماضي، ولكن بشيء من الخجل والتردد، وكانت إفرازاً طبيعياً لسياقات التحولات الكبرى التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال مسيرة التحديث والتطوير التي مر بها هذا الوطن الحديث الذي تأسس عام 1932م.
لقد مرت السعودية بتحولات وتغيّرات تدريجية فرضتها متطلبات العصر، طالت الكثير من المجالات الحيوية كالتعليم والثقافة والفنون والتنظيمات الإدارية والمالية والتقنية، وقد انعكست كل تلك التحولات والتغيرات على منظومة القيم المجتمعية، وفي خضم ذلك التحديث والتطوير ظهرت الليبرالية السعودية كتيار ضمن العديد من التيارات والثقافات والاتجاهات التي تشكلت في تلك المرحلة التأسيسية.
ويمكن تقسيم مسيرة هذا التيار إلى مرحلتين، ما قبل، وبعد 11 سبتمبر.
إن فكرة اختراق الواقع السياسي والاجتماعي لأي مجتمع، ليست بالأمر السهل أو المقبول عند بعض الأنماط التقليدية التي تقف أمام أي تغيير أو اختراق، لأنهم يُمثلون الوعي القديم، والخطاب الجامد الذي يُراوح مكانه في خانة الانكفاء والدفاع والجمود. وقد تعرض ممثلو التيار الليبرالي، ومازالوا، للكثير من الصعوبات والاتهامات والتحديات، بل والتخوين والإقصاء والتهميش في كثير من الأحيان.
إن خطاب التحديث والاستنارة والانفتاح والتحرر الذي يُنادي به رموز التيار الليبرالي السعودي لم يستطع بعدُ تفكيك بنى الوعي القديم الذي مازال يتكئ على ملامح ومعالم خطاب راديكالي يقوم على تصورات ومزايدات اغلبها في الجانب الديني تطعن وتشكك في كل صوت وفكر وسلوك يُغرد خارج سرب الأصالة المزعومة.
يبدو أن الوقت قد حان لدعم كل التيارات الإصلاحية الوطنية، وعلى رأسها التيار الليبرالي الوطني السعودي، هذا التيار الرائع الذي رغم الممانعة الشرسة التي يتعرض لها من قبل البعض لاسيما الفكر المنغلق والمتشدد، إلا أنه قد قطع أشواطاً كثيرة في ترسيخ خطابه الإصلاحي في المجتمع السعودي. نعم، هناك الكثير من الأخطاء والسلبيات والتحديات التي تواجه هذا التيار، لكنه في نهاية المطاف التيار المناسب للمجتمع السعودي، خصوصاً في هذه المرحلة الاستثنائية من مسيرة هذا الوطن العزيز.
زهراء، أيتها الجميلة الصغيرة، هل استطعتُ الإجابة عن سؤالك البريء المعقد؟ أتمنى ذلك..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.