كان هذا البحر يطوي في أحضانه قصة مدينة ولدت على شطه .. لامست أمواجُه ضلوع سكانها .. يكرّ عليهم .. ويفرون إليه ، مداً وجزراً . فيهم الحكيم الحليم .. وفيهم الساذج (الغشيم) .. وفيهم (العايق والمتضايق).! فيهم المرتاح .. وفيهم المتعب .. وفيهم المراوح بين الراحة والتعب . فيهم الهائم في ملكوت الجمال ، الذي تلامس أحلامه النجوم .! نصفهم نبتوا على الشط، ونصفهم احتضنتهم المدينة من مئات السنين .. تناثروا من قارّات الدنيا .. امتزجوا بخبز الأرض وملح البحر .. مزيج إنساني له قوام متماسك غير قابل للذوبان . من قال إنهم غرباء فقد جهل نصف الحقيقة .! الغربة أن تتنكّر للطين والعجين .. و(العيش والملح) ، وقد كان محمد صادق دياب وفيًا للعيش والملح والسكّر والشاهي . هو المزيج الرائع .. والمزاج الرائق .. هو قالب السكّر الأنيق في الفنجان (المسكوفي) .! لقد كان لي، في هجير الحياة " المويه الباردة .. المبخّرة بالمستكا .. في الكاسة التوتوا .. " .! وفي تراب معشوقته (جدة)، الذي مشى عليه ، وتعفر فيه ، نستودع الله (باش- عمدة) هو مزيج عجيب للشهامة والأناقة والحب .! **** **آخر السطور : " لحلمٍ تراقصَ بين الجفون، دعيني أغنّي .. وأنضو عن الورد وجه الغبار، وعمر التمنّي لصوتك هذا الشقيّ، النديّ، العصيّ، احمليني فإني، إذا ما تواصل خيط الدموع على وجنتَيّ، أطرّز نهراً من المستحيل، وأحمل روحي على كف جنّي " .!