ثلاثة مرتكزات أساسية في التجربة الأوروبية كان لها الأثر البالغ في حل مشكلة البطالة لدى الأوروبيين. أولها : اعتماد حد أدنى للأجور، والثاني : منع استقدام العمالة الوافدة، والثالث : جودة مخرجات التعليم لسوق العمل وعليها تدور كثير من الآراء والأفكار والمقترحات لحل مشكلة البطالة عندنا. فهل يا ترى تتناسب هذه الحلول مع مجتمعنا وتنميتنا أم تحتاج إلى تعديل وإعادة صياغة لتتناسب مع واقعنا واستشرافنا للمستقبل. إن اعتماد حد أدنى للأجور يمثل كارثة لاقتصادنا الذي يئن تحت وطأة التحويلات النقدية للعمالة الوافدة (مليار ريال كل ثلاثة أيام بحسب تقرير مؤسسة النقد) فإذا فرضنا زيادة الأجور للعمالة فهذا يمثل مزيد من نزيف الأموال إلى الخارج. كما أن منع استقدام العمالة الوافدة يمثل كارثة تنموية وتعطيل للصناعة والتجارة والمقاولات وكافة أنواع النشاط الاقتصادي. وتؤدي قرارات المنع إلى خلل أخلاقي في انتشار الرشوة والمحسوبية وتزييف الحقائق للالتفاف على هذه القرارات. وأما جودة مخرجات التعليم لسوق العمل فهو محل اتفاق لكن من الضروري الاستفادة القصوى من القطاع الخاص في مجال الدورات التأهيلية والتدريب على رأس العمل فالقطاع الخاص أثبت كفاءته وديناميكيته وسرعة مواكبته للمستجدات. مما سبق ندرك ضرورة إجراء التعديلات على هذه الحلول التي أثبتت فاعليتها لتتناسب مع واقعنا واحتياجنا والوصول إلى ايجابياتها بشكل مرن ويسير ودون اعتراض أو مقاومة أو مذاق مر ودون كوارث اقتصادية أو تنموية أو أخلاقية. إن بإمكاننا فعل ذلك من خلال تفعيل زيادة التكلفة المادية المتدرجة للعمالة الوافدة وتحويل الرسوم المحصلة إلى دعم وتوفير الحد الأدنى من الأجور لدى طالبي العمل السعوديين بحيث يصب في ميزان تعديل كفة المنافسة لصالح الشاب السعودي. ويجب أن تكون الرسوم المحصلة لرخصة العمل في الحد المقبول دون أن تؤثر على النشاط الاقتصادي بحيث تتراوح مثلاً من (50 – 200) ريال شهرياً بحسب الوظيفة التي نرغب أن تشغل من قبل العاطلين عن العمل. فرسوم رخصة العمل المطلوبة للعمالة المنزلية ليست كالرسوم المفروضة على وظائف البائعين وأشباههم. إن الرسوم المتوقع استقطاعها من وظائف ثمانية ملايين وافد في القطاع الخاص ستزيد عن تسعة مليار ريال سنوياً . فإذا كان لدينا نصف مليون عاطل نرغب في دعم توظيفهم في القطاع الخاص بمبلغ (2000) ريال شهرياً للفرد الواحد للوصول إلى الحد الأدنى من الأجور، فنحن بحاجة إلى توفير مبلغ اثني عشر مليار ريال سنوياً لهذا البند المهم، النسبة الكبرى من هذا المبلغ يتم توفيرها من الرسوم المذكورة والباقي تتكفل ميزانية الدولة تغطيته والذي سيوفر على الدولة وعلى الاقتصاد أضعاف المبالغ المدفوعة فيه. 12 مليار ريال سنوياً تنهي مشكلة البطالة كلها في أقل من عامين، وهي تمثل أقل من 2% من ميزانية الدولة وكما نعلم أن رخص الهاتف الجوال ورسوم الاستقدام وحدها قادرة على تغطية هذه الميزانية بالكامل. إن توظيف هؤلاء العاطلين في الوظائف الحكومية هو زيادة في البطالة المقنعة وستستنزف من خزينة الدولة على المدى البعيد أكثر من اثنين تريليون من الريالات. وعلى هذا نؤكد أن الحل الصحيح لإنهاء البطالة يكمن في الإنفاق السخي من الدولة للتوظيف في القطاع الخاص وإكمال الحد الأدنى من الأجور لفترة زمنية كافية لنجاح مشروع التوظيف. وقد يكون من المناسب مثلاً لتنفيذ المقترح تخصيص مكافأة محددة (2000) ريال شهرياً بمبلغ إجمالي قدره (240) ألف ريال لدعم توظيف العاطل عن العمل في القطاع الخاص لمدة عشر سنوات له الحق في استقطاع سنتين منها للدخول في دورات تدريبية تؤهله لسوق العمل. مع أهمية تقديم هذا الدعم مباشرةً إلى طالب العمل بعد التحاقه في القطاع الخاص بإحدى الوظائف أو الدورات المعتمدة وتلافي الأخطاء التي وقعنا فيها في تقديم الدعم بواسطة الشركات الكبرى والمعاهد الخاصة. إذ إن هذا المقترح يجعل أمام طالب العمل كم كبير من الوظائف في جميع المدن والقرى وكم كبير من الدورات التأهيلية يختار منها ما تتناسب مع قدراته ومؤهلاته. وفي هذه الحالة معظم الثمانية ملايين وظيفة التي تشغلها العمالة الوافدة ستكون محل تنافس من الشباب الراغبين في العمل. الشاب السعودي غير المؤهل سينافس في الوظائف الدنيا ( بائع بقالة أو محطة بنزين أو غير ذلك) لأن تكلفة العامل الوافد ستزيد عن ألف ريال شهرياً بينما السعودي سيوافق على العمل بمبلغ 3000 ريال (1000 ريال من صاحب العمل و2000ريال من دعم التوظيف) ولا نحتاج إلى إرغام أصحاب الأعمال على توظيف السعودي لأنه سيجد سعوديين يعملون بالمرتب الذي يتقاضاه العامل الأجنبي. وقل مثل ذلك في الوظائف المتوسطة والعليا، سيختار طالب العمل الطموح الدورات التأهيلية التي تناسبه ويجني من وراءها الإلتحاق بوظائف عالية المرتب في القطاع الخاص ويدفع هو تكاليف التدريب من المكافأة التي تقدم له ولا نتدخل نحن في اختيار هذه الدورات كما يفعل صندوق تنمية الموارد ونظن أننا ناجحون في الوصاية على الناس لأن المخرجات أثبتت لنا عكس ذلك. مهمتنا فقط اعتماد تصنيف الوظائف والدورات التي يستحق الملتحق بها المبلغ المخصص للدعم والتأكد من صحة التحاقه بها. نحن فقط نحتاج أن نكرر في توظيف العاطلين عن العمل التجربة الناجحة في صندوق التنمية العقاري الذي ضخ المليارات بسهولة ويسر في شريان التنمية العقارية. بمقدورنا ابتداءً حصر جميع العاطلين عن العمل في جميع أنحاء المملكة واختيار قوائم إحدى المحافظات لتطبيق المقترح عليها ورصد الإيجابيات والسلبيات، إذ إن التجارب العملية هي المؤشر الصحيح على النجاح والفشل وليست الأوهام التي تدور في الأذهان. إن دخول 12 مليار ريال قوة شرائية جديدة في يد نصف مليون شخص جديد سينشيء حركة ضخمة للاقتصاد الوطني يتضاعف منها الناتج القومي حتى لو كان هؤلاء النصف مليون كلهم عاطلون عن العمل فكيف إذا أضيف لهذه القوة دخول نصف مليون شاب إلى قطاع الأعمال. إن أي فرد من الأفراد لايملك قوة شرائية هو خليه ميتة في الجسد الاقتصادي للمجتمع ومن جهة أخرى فإن البطالة قنبلة خطرة يمكن أن تنفجر في وجه المجتمع في أي لحظة وعلينا جميعاً أن نسارع إلى نزع فتيلها.