عقدت جائزة الشيخ زايد للكتاب الثلاثاء الماضي ندوة بعنوان "الفنون في الكتابات العربية المعاصرة"، برعاية رياض نعسان آغا، وزير الثقافة السوري، ومشاركة ثلاثة من فائزي الجائزة ؛ إياد حسين عبدالله من العراق، الفائز بجائزة فرع الفنون في دورة الجائزة الرابعة وماهر راضي من مصر، الفائز بجائزة فرع الفنون في دورة الجائزة الثالثة، ومحمود زين العابدين من سوريا، الفائز بجائزة فرع المؤلف الشاب في دورة الجائزة الأولى. وأدار الحوار محمد المر، عضو الهيئة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب وبحضور سالم عيسى القطام الزعابي سفير الامارات العربية المتحدة في دمشق ومحمود السيد وزير الثقافة السوري السابق ومحيي الدين عميمور وزير الاعلام السابق في الجزائر ومحمد الاشعري وزير الثقافة المغربي السابق بالاضافة الى جمع من المتخصصين وممثلين من اتحاد الادباء والمجمع اللغوي والمراكز الثقافية والأدبية واعلاميين. افتتح الندوة الدكتور رياض نعسان آغا بكلمة ترحيبية قال فيها: "كل كلامي عن الامارات مشحون بالعاطفة، فحبنا الامارات حب عميق وعريق، ولعلنا في جيل عاش لرؤية دولة كيف كانت وكيف صارت، حققت انجازات ضخمة ولم تكن الانجازات فقط للامارات بل لكل العرب، فالشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، رحمه الله، قد امتد ذراعاه بالخير والعطاء في كل مكان في العالم وجد فيه الضعفاء الذين يحتاجون الى سند، فكان نعم المعطي فشملهم برعايته." كما واثنى الوزير على جهود صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان وقادة الامارات الذين تمكنوا من المحافظة على هذه الحركة الثقافية الغنية، واضاف "ان جائزة الشيخ زايد للكتاب ليست لكتاب الامارات بل لكل المثقفين، وهي تؤمن بالثقافة العربية الشاملة، بل هي لا تعرف حدودا جغرافية ما دامت العربية هي الأم التي نهلنا مما لديها من عبقرية وابداع، ونحن ابناؤها من المحيط الى الخليج. ومن هذا الفضاء الواسع انطلقت الجائزة وانتقلت الى العالمية، فقد نشطت دولة الامارات العربية المتحدة في عدد من المشاريع ذات البعد الاستراتيجي البعيد، فاضافة الى الجائزة هنالك مشاريع اهتمت بالترجمة والمكتبات. ان جائزة الشيخ زايد للكتاب لا تأتي من فراغ، بل من وسط بيئة داعمة للثقافة حريصة على تقديم مثال جيد لتوظيف الاموال فهذه الجائزة ذات اضخم دعم مادي من مثيلاتها في العالم"، واختتم كلمته قائلا: "يسعدني ويشرفني اختيار الجائزة دمشق لاقامة هذا الحفل حيث تطلق الجائزة ندوتها وسط حشد كبير من نخب المثقفين العرب الذين يمثلون كافة اقطار الامة." أما في كلمته، أشاد الأستاذ راشد العريمي، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، بمكانة دمشق التاريخية والثقافية وما يعنيه احتضان دمشق للموسم الثقافي لجائزة الشيخ زايد للكتاب لهذا العام، مشيراً الى المكانة الرفيعة التي وصلت اليها الجائزة خلال سنواتها الأربع الماضية، قائلاً: "اليوم تعتز الجائزة بهذه الكوكبة من الفائزين الذين نقدمهم وأعمالهم إلى الساحة الثقافية العالمية، سفراء الكلمة والقلم الذين يحملون في ثنايا فوزهم بالجائزة أملاً لأمتنا، بتجدد الثقافة العربية وتأكيداً لحلمنا بإحياء الإرث العريق لمنطقتنا العربية. وتابع: "في هذا العام تضاعفت سعادتنا مرات ونحن نشارك دمشق نزوعها نحو العلا، ونقترب أكثر من مركز الدولة العربية الإسلامية لنستذكر نهضة الأمة قبل أربعة عشر قرناً، ونستلهم أسساً جديدة لنهضة قادمة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، تضيف إلى نفسها اليوم قيمة جديدة حين تطلق أعمالها في دمشق". كما أعلن العريمي في كلمته عن تمديد آخر موعد للتقدم بالترشيحات للجائزة ليصبح الخامس عشر من سبتمبر القادم، بدلاً عن الموعد السابق في منتصف شهر أغسطس الحالي، وذلك استجابة من جائزة الشيخ زايد للكتاب للرسائل التي وردتها من عدد من الكُتاب والهيئات الثقافية ودور النشر التي تدعو إلى إتاحة الفرصة للمشاركين مع مراعاة شهر رمضان المبارك في هذا العام خلال شهر أغسطس الحالي. بعد ذلك استهل محمد المر الندوة معربا ان اهتمام الجائزة في عقد ندوة الفنون اليوم يعود الى فقد المكتبة العربية جانبا من أهم جوانب التأليف وهو الجانب الفني، والاهتمام بالنواحي العلمية، والمنتج النهائي كالطباعة الفاخرة، والورق المصقول، والاخراج ذي النوعية الفنية. واشار المر الى اهمية احياء الوقف لدعم الحركة الثقافية وضرورة اشراك القطاع الخاص في مختلف مراحل انتاج الكتاب من طباعة ونشر. هذا وناقشت الندوة تناول الكتابات العربية المعاصرة للمفاهيم الفنية ووضعها في منظور علمي وأدبي من حيث النظرية الفنية وأسس تطبيقها في حيّز الواقع، حيث شرح إياد حسين عبدالله محاور كتابه الفائز "فن التصميم" الذي يربط بين الفن وادوات الحياة ويعالج قضايا التصميم على جميع المستويات الفكرية والفنية والتطبيقية من خلال تحليل العلاقة بين عمليات الإنتاج والتوظيف الجمالي في الصناعة بمختلف أشكالها ما يفضي الى تعايش بين التحولات النفعية والتطور التقني والفني للمنتجات الحديثة مما يؤدي الى تأسيس الفلسفة النفعية للفنون الجميلة. وقال: "يتأسس اهتمام الإنسان بفن التصميم لكثرة التحولات التي تشهدها العديد من الفنون ومظاهر الحياة نحو التصميم حيث الاختزال والبساطة، وسرعة التأثير والاستجابة واشتراكه مع العديد من التقنيات العصرية التي تسد حاجات الإنسان الضرورية". كما شرح عبدالله نظرية الجمال في التصميم، وكيف ترسخت فكرة الجمال وتذوقه في الفنون عبر العديد من المناهج والنظريات والآراء على مر العصور، وصولاً الى فكرة المتاحف كسجل خالد للتراث الحضاري الإنساني، وتابع بشرح لدور الحاجة للجمال على رأس الأولويات التي تحدث تغييرا كبيرا في نمط التفكير الإنساني، وتطور قدرات الإنسان الابتكارية كحاجة مستقلة، واختتم بتفصيل للقيم التي ترتكز عليها نظرية الجمال في التصميم؛ لتحقيق أهدافها الوظيفية والنفعية والتداولية والاستخدامية، وتعيد ترتيب الجمال وفق اشتراطات أهداف التصميم المختلفة في بيئتها العريضة وأسئلة العصر على مستوى المناهج الفكرية السائدة. واعقب ذلك ورقة لماهر راضي عن موضوعٍ الضوء كعنصر مهم في مجال الإبداع الفني، وكقيمة بصرية ترسم المشهد وتحدد جمالياته ليتكامل مع الظلال الناتجة عنه، وشرح القيم العلمية والفنية والجمالية التي تندرج ضمن منهج البناء الضوئي في الفيلم السينمائي، وناقش دور الكتابة في اكتشاف دور الفنان ومناهج تفكيره وتناميها وتطورها مع عمله الفني وتحسس طاقة الفنان الشعورية وأحاسيسه. واضاف "اصبحت الصورة تشكل عنصرا اساسيا في حياة الانسان واصبح عصرنا الحديث يلقب بعصر الصورة لما لها من دور أساسي في الاتصال والتواصل مع النتلقي والتأثير فيه وبذلك اصبحت أكثر وسائل الاتصال سرعة واقواها تأثيرا". ومن جهة أخرى ناقش محمود زين العابدين كتابه الفائز، "عمارة المساجد العثمانية" ودراساته الميدانية في تركيا وسوريا، حيث شرح فن الزخرفة من حيث النشأة والتطور ومفهوم الزخرفة وأنواعها والفلسفة التي تنطوي عليها، وتابع بوصف لفن الزخرفة في عمارة المساجد من خلال نماذج مختارة شملت المسجد الأموي بدمشق من العصر الأموي، ومسجد السلطان أحمد بإستانبول من العصر العثماني، ومسجد الشيخ زايد بأبوظبي من العصر الحديث. وتابع زين العابدين في محاور نقاشه، وتطرق لفن الزخرفة في عمارة القصور كقصر الحمراء بالأندلس من العصر الأموي، وقصر طوب قابي بإستانبول وقصر العظم بدمشق من العصر العثماني، وتحدث عن ابرز التحديات التي واجهها خلال عمله من قلة عدد المصادر العلمية المتوفرة في المكتبات العربية ونقص المعلومات والابحاث المتعلقة بفن العمارة الاسلامية واختتم باستعراض كيفية مواجهته لتلك التحديات مما ساهم في فوزه بجائزة الشيخ زايد للكتاب.