لا تريد أن يخبرك أحد بأن كبرت أو أن وزنك زاد أو قل أو أن "شعرة بيضاء" عاندت ألوان الصبغة، أو أن هناك تجاعيد تظهر ولا يمكن أن تختفي! لكنك تعرف جيدا أين تقف في عمرك الزمني؟ خاصة حين تجد أن من كانوا صغارا في زمن مضى قد كبروا ولحقوا بك وأصبحوا يشاركونك الحديث والاهتمامات. ولا أدري إن كنت من هؤلاء الذين يخافون التقدم في العمر أو من هؤلاء الذين يفهمون قانون الزمن ويمشون معه بدون تحسر أو تذمر أو خوف مبالغ فيه، لكنك أنت أدرى بنفسك وأعلم بخباياها! والنضج الفكري والعقلي نربطه بتراكم التجربة والتي نعتقد أنها تزداد مع الزمن مع تقدم العمر، لكن هناك عوامل كثيرة تتحكم بتجاربنا وبمقدار تعلمنا من هذه التجارب. يرتبط النضج لدينا بالتقدم العمري ويختلط الطيش لدينا بحماس الشباب، وقد تكون نظرتنا هذه محدودة أو مقولبة، لكننا حتما نمر بأناس لم يهذبهم الزمن ولم تعلمهم الحياة ولم يعرفوا معنى المسؤولية رغم تقدمهم العمري، ونمر بأناس نصفهم بأنهم أكبر من سنهم، ولاأدري أي من هؤلاء يشكل القاعدة أو يمثل النسبة القليلة التي تشذ عما نعرفه وما تعودنا عليه؟ ونحن من السهل علينا التعود على صورة معينة أو التأقلم مع فكرة محددة. متى تعرف بأنك كبرت؟ حين تقف أمام المرآة وتصدمك التجاعيد حول عينيك، أو حين يصبح الأبيض هو المسيطر على لون شعرك أو حين تكتشف فجأة أنك تنتمي إلى زمن آخر، أو حين تحتل ذكرياتك مساحة أكبر من واقعك؟ ربما... إذا كان ما نتحدث عنه هو التقدم الزمني والعمري. لكن ماذا عن النضج الفكري والعقلي؟ كيف تقيمه؟ كيف تعرف أنك كبرت أو نضجت؟ حين تجد أن تصرفاتك ليست بردود أفعال تحركها الحماقة، حين تملك القدرة على السيطرة على ردود فعلك هذه، حين تشعر بالأمان والراحة لما تملكه وما حققته ويصبح هدفك هو الانتاجية أكثر من إبهار الآخرين أو التفوق عليهم، حين تعرف أنك جزء صغير من هذا العالم ولست مركزه، حين تسيطر ابتسامتك الهادئة على وجهك مهما كانت الظروف، حين تعرف أن القناعة ليست ضد الطموح وليست قاتلة للنجاح أو التقدم، عندها تشعر أنك في منطقة راحة ذاتية عليك أن تحرص على استمراريتها، وكلنا نتوق ونتمنى راحة البال.