الأهلي النخبوي يحتفل بلقب دوري أبطال آسيا للنخبة بثنائية في التعاون    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    حصيلة قتلى غزة في ارتفاع وسط أولوية الاحتلال للرهائن    تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة في روسيا    نائب أمير الرياض يطلع على بصمة تفاؤل    1300 بلاغ لهلال نجران    175 % ازدياد مصابي السرطان بالأحساء    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    الخريف يجتمع بقادة شركة إيرباص    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان هاتفيا التطورات الإقليمية والدولية    القبض على يمني وإثيوبي في عسير لتهريبهما (40) كجم من نبات القات المخدر    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    رئيس سوريا يصل إلى باريس    أمريكا قد ترحل مهاجرين إلى ليبيا قريبا على متن رحلة عسكرية    نجاح عملية فصل التوأم الطفيلي المصري "محمد جمعة"    الذهب يتراجع مع تخفيف التوترات التجارية "الأميركية الصينية"    جامعة الملك سعود تُنظّم المؤتمر السعودي الدولي للأبحاث الصيدلانية والابتكار "مسير"    جمعية تحفيظ القرآن الكريم بطريب تعقد جمعيتها العمومية العادية    "مركزي القطيف" ينظم ندوة تقييم وعلاج اضطرابات النطق واللغة    جسور ثقافية تربط الرياض ببكين في ندوة مشتركة بجامعة الأميرة نورة    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    رؤية السعوية 2030.. من الطموح الى التحقق    عمادة شؤون الطلبة بجامعة الإمام عبد الرحمن تقيم حفل ختام الأنشطة الطلابية    برعاية نائب أمير مكة.. مُحافظ جدة يفتتح المؤتمر الدولي للابتكار في الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء    رياح نشطة وأمطار رعدية على عدة مناطق في المملكة اليوم    وزير الشؤون الإسلامية يصل المغرب ومندوب الشؤون الإسلامية المغربي في استقباله    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    كبير آسيا    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    خالد بن سلمان يبحث مع بن بريك مستجدات الأوضاع في اليمن    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    8.4 مليار تمويل سكني    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنت في مصر

أبدأ حديث هذا الأربعاء بلازمة أترجمها من جملة يرددها زميل أمريكي ألتقيه أحيانا في القاهرة. وهو من المحبين لمصر. وهو كلما رأى منظراً يسره أو يسيئه، أو كلما وقف موقفاً يعجبه أو يحزنه، أو كلما تعرض لمضايقة في طريق أو مماحكة مع بائع، أو احتك مع زملاء واتفق معهم أو اختلف لا يزيد أن يردد لازمته: you are in Egypt . وهو لا يقصد المعنى السلبي من جملته، وهو يرى أن كل سائح عليه أن يتقبل البلد الذي يزوره بكل حسناته وسيئاته، وعليه ألاّ يقارن بين بلده والبلد الذي يزوره، وإلاّ لما أصبح للسياحة أية قيمة؛ حيث يصبح الزائر أو السائح متذمراً شاكياً، ولا ينعم بسياحته.
لكن من أين جاء هذا الزميل بهذه اللازمة؟ وهو لا يتذكر مصدرها، على أنني أتذكر أنني قرأتها في كتاب من كتب الرحالة الذين زاروا مصر في أول القرن العشرين الميلادي. كانت مصر في أول القرن الماضي تعج بالأجانب من كل بلد في أوروبا. وقرأت في كتاب صغير لمحمد عوض عن المطرب: محمد بن عبدالوهاب وأصدرته سلسلة اقرأ أن 10% من سكان القاهرة في الصدر الأول من القرن الماضي هم من الأجانب. وهذه نسبة مرتفعة جداً. القاهرة مدينة عجيبة، ومنفتحة، وتعج بالمتناقضات التي لا تخطر على بال. لهذا كله لابد أن تكون مدينة لا تشبه المدن، ولهذا يصح الجملة التي يرددها بعض الأوروبيين عندما يصفون القاهرة.
أمضيت أسبوعين ونيفاَ في القاهرة، وكلما زرتها أطفق في مقارنة القاهرة بين عقدين أو عصرين. وكلما اختلفت إلى مرابعها السياحية أو الفنية أو الثقافية قفزت على ذهني صور تقبع في الماضي، أستعيدها من قراءات سابقة، ثم أرى بجانبها صوراً تعارضها، بل وتخاصمها. لي زميل من السودان مقيم في القاهرة منذ سنوات طوال. وأنا أقول عنه إنه من مصر الجنوبية كما كان يسمي الدكاترة: زكي مبارك بلاد السودان، باعتبار وحدة بلاد النيل. زميلي المثقف الأستاذ: المبارك الفاضل يحيى عاشق متيم بمصر وبالقاهرة. وينطبق عليه بيت من الشعر قاله أديب سوداني لا يحضرني اسمه غادر مصر إلى السودان، لكنه تأسف لصنيعه فقال:
فلو كان لي علمُ ما في غد
لما بعت مصر بسودانيه
على أن صاحبي لن يبيع مصر بالدنيا كلها.
لما قيل للدكاترة زكي مبارك إنه كتب عن بغداد وعن باريس، ولكنه لم يكتب عن القاهرة. قال انه كتب عن القاهرة في كتابه: ليلى المريضة في العراق. ورجعت للكتاب فما وجدت إلاّ مدحاً مسرفاً أشبه بالذم. لكنه ذم المتيم الناقد، وهو عنى برصد المتناقضات في الحياة اليومية في القاهرة. وهو يقول: إن من حق جميع العرب والمسلمين أن تنشرح صدورهم حين يتذكرون أن لهم عاصمة تجمع بين الملائكة والشياطين، وتؤلف بين الهدى والضلال. هذه جملة استهل بها زكي مبارك حديثه الطويل عن القاهرة. وهو يسأل: من يستطيع أن يتعقَّب حركات العقول والأهواء في القاهرة؟ لقد صنع زكي مبارك قطعة أدبية في مدح القاهرة أو في ذم القاهرة، وأزعم أنه صدق فيما قال، وحتى ما يمكن عده من الذم هو مدح أو هو صورة أخرى من صور عديدة، يختلف الناس في النظر إليها. أليست القاهرة هي أم الدنيا؟ القاهرة هي صلة الوصل بين الشرق والغرب، والجمال المخضرم هو أفتن ضروب الجمال.
وأنا لا ألوم من يهيم حباً بالقاهرة، ولا ألوم من يتوجع على قاهرة أو مصر القرن الماضي. لكنني ألوم من يطلب من القاهرة أن تبقى لا تتغير. فالتغيّر سنة كونية. يحدثنا الدكتور جلال أحمد أمين أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية أن المجتمع المصري مر خلال الخمسين أو الستين سنة الماضية بتغييرات عميقة، قلبت أشياء كثيرة، وهي تغييرات غير مسبوقة في تاريخ مصر. وهو نشر كتاباً طريفاً لقي قبولاً واسعاً وطبع ست طبعات أوقفه على سؤال هو: ماذا حدث للمصريين؟ في كتابه حاول أن يصف التغييرات التي طالت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومكانة المرأة، ومستوى اللغة، والموسيقى، والغناء، والسينما، والحياة الدينية، والتشدد أو التعصب، والتغريب، والهجرة المصرية، والحياة الفكرية والعلمية، والتعليم العام والجامعي، وغيرها كثير.
وحيث لاقي موضوعه قبولاً واسعاً، وتعرض لمداخلات ومراجعات كثيرة فقد عمد إلى إصدار كتاب آخر ضمنه تغييرات أخرى، وتوسع في رصدها وتحليلها. وسمى كتابه الثاني: عصر الجماهير الغفيرة. وحيث ركز في الكتاب الأول على ظاهرة الحراك الاجتماعي وتداعياته، ركز في الكتاب الثاني على ظاهرة الجماهير الغفيرة، وزيادة الطلب على السلع والإعلام والثقافة. والنتيجة أن مصر بلد عجيب، ولا يمكن أن يقف أو يموت. هو كما قال عنه سائح أوروبي: أنت في مصر وكفى.
ويرتاح المثقفون العرب إلى استعادة العصر الليبرالي الذهبي المصري. وهو عصر كتب عنه الكثير وبلغات عدة. فمنذ كتاب: وصف مصر الذي ألفه ثلة من الفرنسيين الذين رافقوا نابليون في فتحه لمصر إلى كتاب جلال أمين: وصف مصر في القرن العشرين. تظل مصر تستقطب الكتاب من كل لون ومن كل فج. وقد حاولت أن أعد المؤلفات عن مصر والمصريين وعن القاهرة المودعة في دار الكتب فأعياني العد. ما سر هذا. أظن أن السر في عبقرية المكان وفي عبقرية المصري منذ آلاف السنوات حتى هذا اليوم.
في هذه الزيارة شهدت افتتاح قاهرة المعز. وهو شارع بمثابة متحف مفتوح. لهذا يمكن للسائح والزائر والمقيم أن ينتقل في عدة قاهرات: فرعونية، بطليموسية، رومانية، إسلامية مبكرة أو فاطمية، أيوبية ومملوكية ثم قاهرة إسماعيل باشا كما أحب أن أسميها. ما أعجب هذه المدينة. أليست قاهرة. أليست هي المدينة التي تعج بكل ما يوجد في الدنيا من غرائب وأعاجيب. أنت في مصر. ومصر هنا هي القاهرة. وصدق صاحبي لا يوجد وصف يجمع معاني القاهرة ومبانيها إلاّ لازمة: أنت في مصر.وإلا أين المدينة التي تزاحم القاهرة في مساورة القلوب والعقول؟ وصدق الشاعر في وصف بعض مغاني القاهرة:
وإنك لو أرسلت طرفك رائداً
لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ
رأيت الذي لا كله أنت قادر
عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.