في المؤتمر الصحفي الذي عقده وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية المشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب الدكتور عبدالعزيز السبيل أعلن عن أسماء عدد من المؤرخين السعوديين الذين سيتم تكريمهم اليوم الثلاثاء في حفل افتتاح المعرض، وكان السبيل قد صرح قبل ذلك: (أن تكريم أوائل المؤرخين السعوديين الذين أصدروا كتباً تاريخية تختص بتاريخ الجزيرة العربية قبل عام 1400 ه يأتي ضمن المنهج السنوي لوزارة الثقافة والإعلام الذي ينقل معرض الكتاب من كونه وقتا لبيع الكتب وتداولها إلى أن يكون إطاراً عاماً لذلك ولغيره من المناشط الثقافية والإعلامية) . بالتأكيد هذا توجه تشكر عليه وزارة الثقافة والإعلام، ولا شك أن التكريم ناله من يستحق، لكن عند قراءتي للتصريح لا أدري لماذا خطر ببالي عضو لجنة التحكيم في برنامج شاعر المليون وهو ينقد مجاراة أحد شعراء المسابقة لنص مختار للشاعرة ذائعة الصيت بين المهتمين بالأدب الشعبي وهي بخّوت المريّة في قصيدة منها: يا جماعة إن عزمتوا على انكم راحلين غمغموني عن مظاهيركم لا اشوفها كن في قلبي لهب نار ربع نازلين اشعلوها بالخلا والهبوب تلوفها اللافت - بالنسبة لي - أن العضو أشار إلى صعوبة المهمة على الشعراء المتسابقين كونهم يجارون قامات لها تاريخها وامتدادها الشعري في الجزيرة العربية. وأظن أننا أمام حالة، قد يكون هناك تخطيط لإظهارها أو أنها ستأتي على هامش حمى المسابقات الشعرية، وهي حالة أو قل هالة أن غيرنا سيصبح (إعلامياً) رائد الاهتمام بالأدب والموروث الشعبي في الجزيرة العربية، وحاضنة الشعراء الشباب، ومركز إعادة تصديرهم إلينا، وربما نسمع قريباً عن مبادرة من الخارج لتكريم الرواد والباحثين في الأدب والموروث الشعبي، ولا مشكلة في ذلك، إنما؛ وعلى خلفية أن أبرز هؤلاء - أعني الباحثين - هم من أبناء هذا الوطن، تصوروا وقع التكريم أيّا كان نوعه على الروّاد إذا أتى من الخارج قبل أن ينالوه في الداخل. قبل أن أمضي فيما سأختم به المقال أقول إنني لست معنيا بسلبيات برامج ومسابقات الشعر الفضائية، ولا برؤية الكتاب والإعلاميين حولها على أنها (طفرة برامجية تجارية وتعدي) مثلها مثل بعض المجلات الشعبية التي لقيت سابقاً رواجاً في سوق الإعلام الشعبي ولم تثبت أخيراً أمام المد الفضائي لأن قاعدتها المهنية هشة ولهذا اتجه ملاكها إلى تغيير منهجها وتحويلها إلى ألبومات صور للفنانات، ولست معنيا بمن ظهروا ليركبوا موجة (بزنس) الاهتمام بحفظ الموروث الشعبي عبر مشاريع إعلامية فضائية تهتم أكثر ما تهتم بالقشور لأنها (تجارية فقط)، ومع هذا أرى أن كل ذلك تسبب في تعميم الحكم على ما يمكن أن يوصف بالإعلام الشعبي فألقت الصورة الذهنية السلبية عنه بظلالها فأصبحنا أمام نظرة ازدراء أو امتهان للأدب والموروث الشعبي، وبالتالي قد تترفع لجان التكريم عن ترشيح من يستحق التكريم من الباحثين في مجاله. سأقتبس نصّا مما كتبه العلامة الراحل حمد الجاسر في تقديم كتاب شاعرات من البادية؛ حيث قال (إن هذا الشعر أصبح المرجع لدراسة أحوال سكان الجزيرة في مختلف النواحي... لقد حفظ لنا التراث أشياء كثيرة نحتاج إليها في كل ناحية من نواحي حياتنا العامة، ففيه أمثال عريقة، وفيه وصف لمختلف نواحي الحياة .. هذا فضلا عن تسجيله لحوادث تاريخية تمثل أوجه الصراع بين القبائل مما لم تحفل به الكتب.. كان سروري عظيما عندما استشارني أحد أبنائي الأستاذ عبدالله بن محمد بن رداس في جمع ما يستطيع جمعه من شعر شاعرات البادية، كان سروري عظيما لأنني أرى في تدوين هذا النوع من الشعر فائدة جلّى للباحثين) . كتاب شاعرات من البادية بجزئية (الذي قدّم له الجاسر) يعنى برصد الكثير من القصائد لشاعرات البادية جمعها قبل عشرات السنين الشيخ عبدالله بن رداس وانتزعها (ميدانيا) من الشاعرات أنفسهن ومن أفواه الرواة خلال تنقله بين جماعات البدو الرحل، في وقت كان يصعب على الباحث، بتأثير عوامل اجتماعية وثقافية، أن يتصدى لمثل هذا العمل ناهيك عن توثيقه في كتاب كأحسن ما يكون التوثيق آنذاك. أما الأبرز في هذا المجال فهو الشيخ منديل الفهيد يرحمه الله الذي استضاف العديد من الشعراء ورواة الشعر ونقل عنهم؛ عبر الإذاعة السعودية، القصائد والأحداث التي لا تخلو من تفاصيل دقيقة تتعلق بأحوال البادية وطبيعة الصراع بين القبائل (مما لم تحفل به الكتب)، ثم وثّق مئات القصص والقصائد في سلسلة كتب من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية. مثال آخر الباحث الأستاذ محمد بن عبدالعزيز القويعي قرأت فيما قرأت تقريرا يفيد أنه خسر على مدى أكثر من أربعين عاماً أموالا طائلة كان ينفقها على رحلات ميدانية طاف خلالها أرجاء المملكة من أجل جمع أدوات التراث وتصويرها والكتابة عنها وتوثيق كل ذلك في كتاب من عدة أجزاء تحت عنوان تراث الأجداد. أتمنى على اللجان المعنية في معرض الكتاب أن تنظر مستقبلاً بعين الاعتبار إلى أعمال هؤلاء الروّاد الثلاثة باتجاه منحهم ما يستحقونه من التكريم.