محافظ القطيف يلتقي مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة الشرقية    "السعودية نحو الفضاء" .. عام على إنجاز تاريخي    القيادة تهنئ الرئيس اليمني بيوم الوحدة    نقل مباراة الهلال والطائي إلى ملعب الشباب    3 وزارات و5 مختصين ب"أمناء مكتبة الملك فهد"    قصاص مواطن تسبب بانقلاب مركبة آخر ووفاته    مدير تعليم البكيرية يرعى حفل ختام الأنشطة الطلابية    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    ضيوف الرحمن: المملكة بقلوبنا وشكراً للملك    تعليم الشرقية يستقبل الموهوبين بعد مشاركتهم في معرض إنتل آيسف للعلوم والهندسة بأمريكا 2024    السعودية ترحب بالقرار الإيجابي الذي اتخذته النرويج وإسبانيا وأيرلندا باعترافها بدولة فلسطين    خامنئي يؤم صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني ومرافقيه    آل هادي يزف ياسر وأحمد لعش الزوجية    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب «المركزي الأمريكي»    أمير القصيم يدشن مبنى الكلية التقنية ببريدة    أمير المدينة يرعى تخريج الدفعة الثالثة من طلاب كليات الريان    السعودية تشارك في المؤتمر الثامن للجنة المستقلة لمكافحة الفساد في هونغ كونغ    «ليوان» تطرح مفهوما جديداً في التطوير العقاري مواكباً مع نظام وافي المعزز لنشاط البيع على الخارطة    اختتام النسخة السادسة من منتدى المشاريع المستقبلية 2024    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    تعديل في تنظيم هيئة تنفيذ اتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية    مجلس الطيران العالمي    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    الجدعان: نبحث فرص خصخصة ب«البنية التحتية»    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    مجلس تراحم الباحة يعقد اجتماعه الأول لعام 2024 .    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    الرائد .. تذاكر مباراتنا أمام الأهلي متاحة الآن    "تاليسكا" يتصدّر قائمة أكثر اللاعبين البرازيليين تسجيلاً للأهداف خلال هذا الموسم    عقد ضخم ينتظر حارس ليفربول والثقافة السعودية تحفز نجم ال" ميلان" للانتقال إلى روشن    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    «تجربة جنونية» لفرنسي يسافر إلى الفضاء لبضع دقائق    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    نيابةً عن وزير الخارجية.. الخريجي يقدّم واجب العزاء في وفاة رئيس إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين مجتمع المعرفة.. ومجتمع استهلاك التقنية!!
نشر في الرياض يوم 27 - 10 - 2008

في وقت أفضت الثورة المعرفية إلى مجتمع المعرفة الذي أصبح يعتمد - أساساً - على المعرفة كثروة أساسية، أي على خيرة الموارد البشرية وكفاءتها ومعارفها ومهاراتها كأساس للتنمية البشرية الشاملة.. تتحرك الدعوات الخيرة والمشروعات التي تبحث عن موقع مجتمع في سلم المعرفة استيعابا وانهماكا ونتاجا.
تشكل معالم ثورة الاتصالات أبرز المقومات التي تؤسس لبناء مجتمعات المعرفة، وعليها تقوم عناصر كثيرة تساهم بدور في تأسيس تلك المجتمعات، وفي انهماكها ايضا في انتاج المعرفة واستعادتها عبر تلك الوسائل توظيفا وانتاجا وابتكارا.
يدور حديث نظري كبير، حول أهمية بناء مجتمع المعرفة، والتحولات التي عصفت بالعالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين والتي غيرت في بنية الاقتصاد لصالح انتاج المعرفة بكل أنواعها وتوظيفها في اقتصاد حيوي وخلاق ومنتج.
ما يطرح من أوراق عمل أو نشاطات أو بحوث أو توجهات حول بناء مجتمع المعرفة يعوزه الكثير من التأمل خاصة في حال مجتمعات نامية لم تتبلور بعد توجهاتها عن صياغة مجتمع يمكن أن يندمج في هذا المشروع الكبير والخلاق. إلا أن السؤال هل يمكن أن يتبلور مشروع من هذا النوع دون النظر الى امكانية اجراء تحول في البنية الذهنية في هذه المجتمعات لصالح هذا التوظيف.
لا أجد كثيراً ولا قليلاً ضمن الحديث عن بناء مجتمع المعرفة، أي محاولة لقراءة البنية الذهنية المجتمعية ونوعية التعاطي مع منتجات التقنية في المجتمعات التي تستهدفها تلك المشروعات، ويتم التركيز غالبا على نقل مشروعات كبرى، وعناوين براقة تتوسل التقنية ومنتجاتها لبناء مجتمع المعرفة بمعزل عن ثقافة وبيئة وشروط التحول الضرورية.
يتبلور لدينا العلم كمنتج يستحوذ على الاهتمام، لكن قلما من يحاول أن يقرأ في مسلسل هذه التقدم العلمي وشروطه الضرورية والبنى الأساسية التي تمكن له. تأخذ منتجات العلم تحت إطار مجتمع المعرفة وسواه عناوين براقة للتوظيف لخدمة مشروعات تنمية، لكن قلما استوعبنا شروط انتاج العلم حتى يمكن أن نسهم يوما في شروط إنتاج المعرفة.
استهلاك التقنية سمة المجتمعات القادرة على الحصول عليها، لكن فهم آلية وشروط إنتاج التقنية وتوظيفها التوظيف الصحيح وبحث مستويات النفعية والتوظيف الأجدى تغيب كثيرا عن وعي الباحثين، وتمر مرور الكرام عبر ظواهر اجتماعية يمكن رصدها لكن لم تخضع بعد لدراسة عميقة تفسر وتحلل وتضع المشكلة في إطارها الصحيح لا مجرد قراءة انطباعية عابرة في مشهد يومي.
حملت ثورة الاتصالات معها فتحاً معرفياً كبيراً، لكن السؤال إلى أي مدى أمكن استيعاب تلك تقنية الاتصال المتقدمة؟ وإلى أي مدى أمكن توظيف منتجاتها، وإلى أي مدى يمكن الحديث بثقة عن قدرتنا على بناء مجتمع المعرفة الذي يشارك في انتاج العلم والمعرفة لا أن يكون مجرد مستهلك، ومستهلك رديء أحيانا كثيرة.
أعتقد أن انتاج المعرفة لا تكفي فيه المعرفة ذاتها، بل يحتاج ايضا بناء عقل المعرفة ذاته. كما أن المساهمة في انتاج العلم يحتاج عقلاً علمياً أيضا. الخطوة المهمة في أي مشروع تنموي كبير يطال بناء مجتمع المعرفة يتطلب أولاً اعادة صياغة عقل جمعي لفهم المعرفة نفسها، وأبعادها، وشروط إنتاجها، وحدود نفعيتها، وجدوى استخدامها، وعوائدها، والقدرة قبل أي شيء آخر على توظيفها في أبسط حالاتها قبل أن تكون مرحلة لها بريق انتاج اقتصادي أو تقني متقدم.
حملت ثورة الاتصالات منذ نهاية القرن الماضي فرصة كبيرة للإسهام في بناء مجتمع يتذوق على الأقل المعرفة ويتواصل مع مراكز إنتاجها ويكسر حدود الفقر المعرفي ليتواصل مع عالم تتراكم إنجازاته يوميا في هذا المجال وسواه. لكن هل هناك دراسات اجتماعية مركزة تكشف حدود ومستوى استخدام منتج واحد، وهو من أكثر منتجات الاتصال نمواً وهي شبكة (الانترنت) لزيادة ذلك الرصيد المعرفي، ناهيك عن بناء علاقات معرفية قادرة على إحداث التحول في بنية مجتمع ذهنية مازالت تصر على تفوق الاستخدام الرديء أو قليل الجدوى على الاستخدام الفاعل والمؤثر في سلم الصعود.
وإذا كانت المؤشرات تشير الى ضعف استخدام الشبكة في التواصل المعرفي، فهي أيضا أصبحت في جزئها الأكبر مجرد وسيلة للترفيه أو التوظيف الرديء أو مجرد اضافة أخرى مكلفة عنوانها استهلاك الوقت والتقنية معا. وليست المشكلة أن تكون وسيلة ترفيه، لكن أن تكون هي السمة الطاغية مسألة تحتاج إعادة النظر في عقل التعاطي مع منتجات التقنية.
السؤال لماذا يطغى التوظيف الرديء للتقنية إذا تجاوزنا مسألة الترفيه حتى؟، ولماذا يتركز استهلاك التقنية في سلوكيات لا تثري معرفة ولا تضيف رصيداً إلا ما قل، وإنما تراكم مشكلات جديدة، وظواهر جديدة، وتعيد أحياناً إنتاج ثقافة، إذا لم تكن رديئة فهي معطلة.
الظاهرة الأكثر بؤساً أن تتحول منتجات الاتصال الحديثة لإعادة إنتاج وترويج قيم مضادة لشروط المعرفة المنتجة، ناهيك أنها تكشف ظواهر استخدام مدمرة ومعروفة آثارها لدى الكثيرين، وأصبحت هي الدافع الكبير للبحث عن هذه التقنيات.. بل أصبحت وسيلة سهلة وفعالة في تعزيز حضور الفئوية والتناحر والتقاتل الكلامي ونشر الأفكار المدمرة وخدمة مشروعات التطرف والإلغاء.. هذه النقطة تحتاج تأملاً كبيراً وتحتاج قراءة في أي مشروع يتوسل مجتمع معرفة دون أن يحاول أن يرصد التكوين الثقافي لتلك البنى الاجتماعية، ويبحث عن الحلقة التي لا بد من التوجه لها أساساً، لتخفيف آثار الاستخدام الرديء لمنتجات التقنية، ولتعزيز حضور وفاعلية نسق ثقافي جديد يعيد التوازن على الأقل لثقافة المستهلك ليعاود بناء ذات معرفية، وليس الاستغراق في إنتاج ثقافة قاتلة أو منهكة أو متراجعة أو بلا جدوى.
ثورة الاتصالات أيضاً حملت مشروع البث الفضائي، ومن بين هذا الكم الكبير لقنوات عربية، إلا ان المراقب يجد أن كثيراً منها مجرد أدوات لإنتاج قيم التراجع لا قيم التقدم، وثقافة الإثارة لا البناء العقلي المعرفي المتوازن.. فبعضها يسوق لثقافة الترفيه عبر استدعاء الغرائز، ويمكّن من توفير قنوات التواصل عبر التوظيف الرديء لتقنية الاتصالات مثل الرسائل القصيرة المخجلة.. التي تصل إلى درجة الإسفاف والبلادة.
منتجات بنيت أساساً على فكرة علمية خالصة لم نكن شركاء في انجازها لكن برعنا في تغذيتها بالرديء..هل يمكن أن تنتعش كل تلك الاشكال من التوظيف الرديء لمنتجات التقنية لولا هذا الاقبال عليها والانهماك في استهلاك منتجاتها، دون وعي بقيمة المنتج أياً كان، والقدرة على توظيفه التوظيف الأجدى، وقس على هذا الكثير مما يحفل به عالم اليوم. وحيث يمكن توظيف التقنية لخدمة مشروع أكثر تقدماً وبناء للذات، عادت لتصبح ايضاً مشكلة أخرى علينا علاجها والبحث في سبل تقنينها.
وعلى مستوى آخر ليس له علاقة بالتقنية ولكن له علاقة أكيدة بالتفكير العلمي الإيجابي، ففي خضم أزمة المياه التي عانت منها بعض مناطق المملكة وجهود الدولة في محاولة علاج المشكلة يظهر إعلان بصفحة كاملة يتحدث عن مشروعات عقارية بملاعب (قولف).. وأين؟ على امتداد صحراء تبحث عن قطرة ماء لا عن استهلاك البقية في زراعة ملاعب القولف.. لم أجد أي ملاحظة أو وقوفاً أمام مثل هذا الإعلان المتزامن مع أزمة المياه.. إنها مشكلة العقل الذي لم يستوعب بعد شروط التنمية وفق أسس قابلة للحياة وما زال أسيراً في نقل أنماط براقة في السكن والحياة أو الاستخدام الرديء لمنتجات لا يملك انتاجها ولكن يقوى على شرائها.
طالما لم يتأسس لدينا عقل علمي يقوم على فكرة القبول والرفض والبحث عن الجدوى والنفعية والتوظف السليم، فهل يمكن أن نحلم بمجتمع معرفة يبدأ من قمة الهرم المعرفي لا من قاعدة وأسس البناء المعرفي.
إذن هناك مشكلة ذهنية قبل أن تكون مشكلة معرفية.. التركيبة الذهنية التي تقبل استهلاك منتجات العلم والتقنية على هذا المستوى الرديء هل يتوقع منها أن تدخل في عالم مجتمع المعرفة.. هناك ثلاثة مستويات لا بد من مقاربتها في أي محاولة لبناء مشروعات طموحة وكبيرة على أرضية لم تؤسس بعد.. وهي المستوى المعرفي والمستوى الفكري والمستوى السلوكي.. فالمعرفي يتعاطى مع معرفة مجردة، والفكري يطال عقل المتلقي لصياغة القالب الذهني قبولاً ورفضاً ومقايسة، والسلوكي هو ثمرة المستوى المعرفي والمستوى الفكري الذي ينعكس أداء وممارسة.
ما زلت أعتقد أن هناك فاصلاً كبيراً بين تطلعات كبيرة تتصور ان مجتمع المعرفة لا يحتاج أكثر من قص مشروعات ولزقها بكل بريقها وحفاوتها، دون أن تتلمس كيف يمكن الاسهام في بناء عقل معرفي أو علمي قادر على الفرز والقبول والرفض بناء على تفكير علمي يتجاوز فكرة الترويج بين نخب ضيقة لمجتمع المعرفة.
إذن هناك سلم من العلاقات المعرفية يبدأ من بناء عقل اجتماعي تعاد صياغته بوسائل أخرى أكثر جدوى وصولاً إلى قاعدة اجتماعية يمكن أن ينطلق منها مجتمع المعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.