من بين الحلقات التي ضمتها سلسلة "طاش ما طاش" في أجزائها الخمسة عشر كنت أطرب لتلك التي تتابع عائلة "أبو هزار" ومواقفها مع عائلة "أبو نزار" وأجد فيها متعة وكمالاً فنياً أكثر من الحلقات التي تتناول قضايا فكرية كبيرة. كانت قصص "أبو هزار" ورفيقه "أبو نزار" شعبية إلى حد النخاع وبسيطة بلا تكلف، تعتمد على موقف واحد، وتصور شخصيات شعبية تنتمي للطبقة الوسطى، وتقدم قصصاً من صميم المجتمع، نعايشها في حياتنا باستمرار.. ببساطة كانت تقدم لي المتعة ممزوجة بالحب.. حب هذه الشخصيات.. وحب روحها الشعبية. هل هناك غاية للعمل الفني أكثر من أن يكون محبوباً؟. أن يراه المشاهد بعين الحب والرضا؟. وأن يجد فيه حياته وأحلامه البسيطة؟. إذا كانت قصص "أبو هزار" و"أبو نزار" قد تمكنت من نيل محبتي وجعلتني أحرص على متابعتها فإن قصة "كريم" وشقيقه "سليم" قد تمكنت مني بنفس الطريقة وحولتني إلى مشاهد شغوف يحرص على مشاهدة حلقات مسلسل "كلنا عيال قرية" بدافع الحب والولاء لأن الأجواء هي ذاتها الأجواء الشعبية البسيطة التي أعيش فيها أنا وأنت وغالبية المجتمع السعودي. انظر لشخصيات العمل وتأمل المحيطين بك ستجد هناك تقارباً شديداً، فالخال هو ذاته خالك أو عمك، وأبو ضاري تقابله دائماً في المناسبات الاجتماعية، ورفاق الاستراحة هم ذاتهم رفاقك، أما "كريم" و"سليم" فقد تكون أنت أحدهما وإذا لم تشابههما إلى هذا الحد فعلى الأقل ستكون قد تصرفت في موقف معين بنفس الطريقة التي يتصرفان بها أو فكرت بنفس طريقتهما البسيطة. إن الصدق في محاكاة الشخصية الشعبية هي السمة الأولى التي ميزت "كلنا عيال قرية" وجعلته محبوباً.. يضاف لها مزايا أخرى. ومن هذه المزايا.. الأداء الجميل من نجوم العمل، ولولا الأداء ما كنت قد شعرت بقرب الشخصيات التي يؤدونها من النموذج الشعبي الذي أعرفه جيداً. وحسبي أن أذكر في هذا الصدد ردود أفعال الشخصيات تجاه بعض المواقف مثل ردة فعل "كريم" -عبدالله السدحان- عندما رأى ابنة جارهم الساكن في الشقة المجاورة، كانت ردة فعله تلقائية تجاه موقف يحصل دائماً في حياتنا. ولا يبرز الأداء الجميل في ردود الأفعال الكبرى بل حتى في طريقة الحوار بين الشخصيات، والتي امتازت بالعفوية الواقعية، فترى الشخصية حين تتحدث إلى شخصية أخرى، تتحدث بالطريقة الواقعية المألوفة، العين متوجهة إلى العين مباشرة، ولا تجد أحداً في المسلسل يكلم الآخر من خلف ظهره كما يحصل في المسلسلات الخليجية. إن الشعار الذي يسير عليه "كلنا عيال قرية" هو البساطة والاقتراب من الواقع في كل شيء، في الأداء، في المواقف، في الإضاءة، في التصوير، وفي الديكورات التي كانت شديدة التقشف بشكل جعلها أقرب إلى ديكورات شقق الإيجار الموجودة على أرض واقعنا، فهذه كنبة متواضعة، وتلك "زولية" صغيرة بالكاد تغطي الأرضية، إنها المكونات التي نراها في منازلنا وشققنا، وهي نقيض ما نراه أيضاً في المسلسلات الخليجية من ديكورات متكلفة تفتقر للذوق ولا تتوفر حتى في منازل أثرى الأثرياء. بهذه الروح البسيطة يقدم "كلنا عيال قرية" نفسه كمسلسل صنع ليبقى في الذاكرة طويلاً، مسلسل يقدم حياة الطبقة الوسطى كما هي بهمومها البسيطة وبأحلامها البريئة، وبشخصيات من صميم المجتمع، من نجد، ومن الشمال، تحبها لأنها جزء منك ومن هويتك. فالتحية لأبطال هذا العمل، لعبدالله السدحان، ناصر القصبي، عبدالإله السناني، محمد الطويان، عبدالرحمن الخطيب، مشعل المطيري وحبيب الحبيب على البساطة التي بثوها في ثنايا المسلسل.