الإحصاء تنشر إحصاءات النقل الجوي 2024    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    رئيس غرفة حائل: منتدى حائل للاستثمار يجسد مكانة حائل كوجهة استثمارية جاذبة على خريطة الوطن    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    استشهاد (44) فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي وسط وجنوب قطاع غزة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    "سدايا":11 مطاراً ضمن مبادرة "طريق مكة    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    الخلود الصناعي قادم    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    تدشين خدمة الزائرين وضيوف الرحمن بالذكاء الاصطناعي    إطلاق النسخة التجريبية الأكبر لمشروع الذكاء الاصطناعي بالمسجد النبوي    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الخلود    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    قوة المملكة وعودة سورية    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    وزارة الداخلية: لا حج بلا تصريح    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    فرع الشؤون الإسلامية بالشرقية يعلن جاهزيته لتنفيذ خطة الحج    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    المملكة.. الثاني عالميًا في «آيسف الكبرى»    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    591.415 طلبا لأسماء تجارية    تكريم إلهام علي وأخريات في حفل «المرأة في السينما» في كان    حين تلتقي المصالح وتستقر الموازين    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    71 عملية جراحية وقسطرة قلبية لضيوف الرحمن بالمدينة    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    إغلاق وضم مدارس بالمجاردة    اختبارات نافس في 8 دول    كيف ترسم الصحة السكانية مستقبل المملكة    سمو أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج 100 صحفي وإعلامي    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيني والبحث عن الضوء الخرافي
نشر في الرياض يوم 28 - 08 - 2008

حتى في الثقافات التي تخلت أو أوغلت في التخلي عن الغيبيات، وحتى بين المثقفين الذين يمثلون ذلك التخلي أو الإيغال، يظل الشعر حيزاً يستعصي على العلمنة الكاملة، ويبقى الشاعر مطارداً بهواجس الغامض وأسئلة اللامرئي والمحير. ذلك لأن الشعر، بل عملية الإبداع عموماً، ما تزال بحد ذاتها عملية غامضة ومدهشة ومهما سعى العلم ستظل الشبابيك تنفتح هنا وهناك على أضواء تستفز الذهن وتستنفر الملكات إلى حيث الظواهر الغريبة وعجز العقل عن اكتناهها. تلك الشبابيك كثيراً ما تنفتح في قصائد تحمل هم الشاعر وأسئلته الممضة حتى بشأن ما يسمى خرافياً.
من الشعراء الذين طرحوا تلك الأسئلة باقتدار إبداعي الشاعر الأيرلندي شيمس هينيSeamus Heaney الذي يقف اليوم في طليعة الشعراء الغربيين لاسيما بعد نيله جائزة نوبل لعام 1995.ولد هيني في شمال أيرلندا عام 1939وهو شاعر وناقد ومترجم قدير نشر إلى جانب مجاميعه الشعرية الكثيرة ترجمات منها ترجمة للملحمة الإنجليزية الأنجلوسكسونية القديمة "بي وولف" (1999) التي كتبت بلغة تسمى الآن اللغة الإنجليزية القديمة وهي لغة تختلف كلياً تقريباً عن الإنجليزية المعاصرة.
قصيدة هيني بعنوان "بجانب النار" ويقصد بها نار التدفئة في ليالي الشتاء حيث يجتمع الناس لا للتدفئة فحسب وإنما أيضاً لتبادل الأحاديث أو تناول الطعام في أجواء اجتماعية تميل حيناً للجدية وحيناً للفكاهة وحيناً إلى مابين هذه وتلك من مسائل وأخبار وحكايات. من تلك الحكايات ما شكل مناسبة للقصيدة التي نتأمل هنا والتي يصعب ترجمتها كاملة على قصرها، وذلك لتركيبها اللغوي الذي سيفقد الكثير من دلالته بالترجمة لاعتماد الشاعر الكثيف على إيحاءات المفردات وتناغمها. لكن التعليق سينقل بعض ما يمكن نقله منها.
تقع القصيدة في أربع عشرة سطراً، أي أنها من نوع السونيت أو السوناتة. يبدأ السطر الأول أو الجملة الأولى - وليس البيت الأول لأن مفهوم البيت غير موجود هنا - بإشارة تتكئ على العنوان لترسم صورة متخيلة لما يحدث في لقاءات تشتعل حول نار الشتاء. المسألة المطروحة، مسألة الشك والإيمان، هي مدار النص وهي ما تومئ باتجاهه الأحاديث وإن بشكل غير مباشر. يتالف النص الشعري من الاحتمالات التي يستثيرها السؤال، وهو سؤال بريء على ما يبدو، معتقد شعبي يذكره أحد الجالسين: "تجيء القصص دائماً عن أضواء تحوم حول شجيرات أو تحت المنحدر..." من تلك الاحتمالات أن قرني عنزة باردين لمعا تحت ضوء القمر، أو "رنين سلسلة على طريق منتصف الليل". لتأتي بعد ذلك احتمالات من نوع آخر: "عندئذٍ قد تأتي أخبار عن ذلك الفن المائي/ سطعة الأسماك"، الأمر الذي يدفع بالشاعر إلى الظلمة مستكشفاً بمصباحه اليدوي إذ يضيء "جلد الجدول الأسود/ وقد امتد ذراعي الأيسر ليتلقى انصباباً كثيفاً للتيار/ الذي يعيق الشبكة".
من هذه الاحتمالات كلها يأتي احتمال آخر وقد تضمن السؤال الأساسي للقصيدة كلها: "هل كان ذلك هو الإشعاع المتقوس فوق الدوامة أم أنه البريق/ الخرافي؟" البريق الخرافي هو بالطبع مدار حديث الناس حول نار الشتاء، البريق الذي خرج الشاعر يبحث عن حقيقته في أماكن كثيرة دون أن يهتدي. فهل اهتدى أخيراً؟ لنقرأ النهاية: "عدل الضوء/ وعد إلى عقلك، إنهم يقولون وداعاً". هذه النهاية المفاجئة تنهي الاحتمالات كلها عند حائط يأس. لم يعد ثمة أمل في العثور على جواب شافٍ للضوء الغريب، الضوء الخرافي أو الضوء المدهش (كلمة "فابيولوس fabulous تعني كل ذلك). ومع أن اليأس لم يخل من إثارة احتمالات عدة تركها الشاعر مفتوحة، فإن تلك الاحتمالات كلها عقلانية وتمثل سعياً قلقاً لتغليب العقل على الخرافة، أو ما يراه الشاعر كذلك. إنها محاولة لعلمنة الغيبي لم تخلص إلى نتيجة سوى ما يتضمنه البحث من قلق وما يثيره من احتمالات. حين قرأت قصيدة هيني تذكرت قصيدة لشاعر إنجليزي هو توماس هاردي عنوانها "الثيران" يتحدث فيها عن معتقد مسيحي يقول إن الثيران تركع ليلة عيد الميلاد في صلاة سنوية للمسيح مثلما حدث حين ولد حسب المعتقد الشعبي المسيحي. يقول الشاعر في قصيدته إنه كان يسمع تلك الحكايات ومع أنه يشك في صحة الاعتقاد فإنه لم يكن ليتردد لو عرض عليه الذهاب للتأكد لذهب آملاً ان يرى الركوع حقيقة ماثلة.
قصيدة هيني أقل مباشرة وأكثر رهافة شعرية من قصيدة هاردي، وبالتأكيد أقل ثقة بالغيبي، لكن القصيدتين تجتمعان عند هاجس نفسه البحث عن الخرافي أو المدهش وإن بدرجات متفاوتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.