فرصة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    آل حيدر: الخليج سيقدم كل شيء أمام النصر في الكأس    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    492 ألف برميل وفورات كفاءة الطاقة    «زراعة القصيم» تطلق أسبوع البيئة الخامس «تعرف بيئتك».. اليوم    الرياض.. عاصمة القمم ومَجْمَع الدبلوماسية العالمية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    القيادة تهنئ رؤساء تنزانيا وجنوب أفريقيا وسيراليون وتوغو    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    القتل ل «الظفيري».. خان الوطن واستباح الدم والعرض    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    الرياض.. عاصمة الدبلوماسية العالمية    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    تجربة سعودية نوعية    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    انطلاق بطولة الروبوت العربية    في الشباك    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    وزير الصناعة الإيطالي: إيطاليا تعتزم استثمار نحو 10 مليارات يورو في الرقائق الإلكترونية    سلامة موقع العمل شرط لتسليم المشروعات الحكومية    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(عسير الطبيعة) هبة الخالق وإعادة تشكيل الفضاء الحضري لها سيقف في مواجهة الزحف الاستبدادي لعمارة الطفرة
نشر في الرياض يوم 19 - 06 - 2008


قسراً على الطبيعة
المنتج المعماري يصنع الهوية الثقافية الظاهرة لأي مجتمع ويعبرعن سلوك ثقافي قبل أن يكون مجرد أفكار وتصاميم إذ أن لكل هوية جزءاً ظاهراً يعبر عن الثقافة المادية بما فيها العمارة التي يتوجب علينا توجيهها وتثقيفها بما يعيد إليها قيمتها، وفى عسير سرعت عملية التنمية غير المتوازنة ولم تعد العلاقة ايجابية تكاملية بين الحيز والمكان فالتكامل الحبي لمحيط طوبوغرافى معين في عسير تحول وزال عندما فرضت قسرا على الطبيعة عمارة الطفرة أو مايطلق عليها مصطلح العمارة المستدامة التي غزت المملكة في الثمانينات وصنعت ثقافة التكرار في العمارة وتدخلت الدوافع الاقتصادية بشكل واضح في استغلال الموقع لإحراز أضخم عوائد مادية ممكنة دون اعتراف بالعلاقة الحميمة التي عادة ماتتطور بين المبنى والمحيط حيث شهدت من عمليات تسوية الأراضي التي تتعارض مع فكرة الخصوصية الطبوغرافية للمنطقة ونستطيع رؤية ذلك في دك المواقع بطريقة لا مسئولة لتسويتها وتسطيحها وإزالة التضاريس عنها في عمليات تقسيم وتشييد الضواحي في مدينة أبها لا تتفاعل مع التدرج على سطح الجبل فعندما تكون الأرض على سطح الجبل لا تؤخذ في الاعتبار وتوضع المباني في شكل مستوى الطريقة التي حولت المنطقة برمتها إلى منطقة يمكن مشاهدتها في أماكن أخرى.
عمارة ثقافية
وإذا ما اعتبرنا أن العمارة التي نشاهدها هي حالة المستقبل فإننا نتمنى أن تكون هي الحالة المؤقتة أو أنها الحالة القصيرة المدى للمستقبل لان هذه المنطقة تستحق عمارة أكثر ثقافة من التي نشاهدها والتي في تفاصيلها المعمارية تبعدنا عن حلم العمارة الثقافية وتفصلنا عن الحالة الشعرية التي تحرك داخلنا لغة الشعر البصري وهو مايمكن أن نشاهده في العمارة التقليدية العسيرية التي كانت تؤكد الغموض العفوي الساحر الخارج من رحم الطبيعة فالعمارة عندما يكون جزء منها عفوياً شكله المكان وجزؤها الآخر انسانياً مصنوعاً بيديه تظهر فيه خاصية الشعر وبينما لكل منطقة حلمها المستقبلي الذي يمتد إلى صورتها في أذهان من يقطنها ومن يزورها تظل صورة عسير مرتبطة بالجبل والوادي والمدن التي تعانق السحاب هذه الصورة لاتريد من احد أن يعبث بها ويغيرها، فعسير سحر الطبيعة ويجب أن يظل شغلها الشاغل هو تأكيد أنها ولدت من رحم هذه الطبيعة الساحرة مايحملنا الكثير من المسؤولية نحو هذا الفضاء الطبيعي ويحرضنا على النقد.
منظومة رمزية
وفى تصور حول الإقليمية النقدية فيما يقدم من عمارة معاصرة الآن في عسير إذا ما اعتبرناها جزءاً من العمارة الإقليمية التي كانت إحدى حسنات عمارة مابعد الحداثة يرى المتخصصون أن الطراز التقليدي المعاصرفى المنطقة هو محاولة للمحافظة على التراث أكثر من كونها محاولة إعادة تشكيل حرفي، مايعنى أن الأمر لايتعدى كونه حملة توعوية للمزاوجة بين الحديث والقديم في منطقة ذات إمكانيات سياحية هائلة تعتمد على تأصيل البناء ذي التأثير التقليدي كمنظومة رمزية يقصد بها عزل بعض السمات وتقويتها، حيث استعيض بطرق البناء التقليدية التي كانت تنفذ الأشكال المعمارية بتقنيات البناء الحديثة التي ولدت أشكالاً جديدة برع المعماريون في التعامل معها، فأعيدت صياغة الرقف بعد أن تم الاستعاضة عن الألواح الحجرية التي تنتمي لمراحل تاريخية متأخرة بإفريزات بارزة من الطوب على هيئة تيجان للأبنية اى أنها أفرغت من مضمونها الانشائى لتصبح إشكالاً زخرفيه تذوب فيها شواهد العمارة التقليدية الأصيلة داخل الأبنية الخراسانية حتى يصعب التعرف عليها، فيما بعد وبنفس أسلوب التقليد للرقف فان الجدران ذات اللونين الأبيض والرملي تحاول أن ترمز على التوالي إلى الجزء الحجري المطلي بالجير الأبيض والى الجزء الطيني من الجدران التقليدية.
إشكاليات
وفيما يقدم الدكتور مشارى بن عبدالله النعيم دراسة نقدية أورد فيها عناصر تشخص الإشكاليات التي تواجه العمارة العسيرية المعاصرة أو المقاومة والتي اعتبرها أساسية لبناء عمارة أصيلة في المنطقة وبداية نقدية مجدية ومهمة لمستقبل العمران بالمنطقة وذلك على ضوء مقالة له نشرت في مجلة البناء في عددها 192/191بحث فيها العلاقة المتوترة ذات الحس الفني بين النموذج والطبوغرافيا كأهم إشكالية تواجهها العمارة العسيرية الحديثة المقاومة منتقدا الانسياق في تصميمها خلف الاهتمام بالشكل على حساب هذه العلاقة المتوترة للأحيزة والأمكنة ويضيف النعيم في الوقت الراهن الظاهر لنا أن اغلب المنتج المعماري المعاصر يصب في تكرار النموذج على حساب الطبوغرافيا إلى درجة أن فكرة الشكل النموذج المتكرر أصبح هو الطاغي بصرف النظر عن الطبيعة الطبوغرافية وهو الأمر الذي سيفقد عمارة المنطقة روحها المقاومة وسيحولها إلى مجرد عمارة شكلانية خالية من الجوهر وأوضح أهمية استجابة العمارة المقاومة في عسير لتكون أصيلة ومحلية إلى العلاقة الثنائية بين الحيز والمكان مثبتا أن عبقرية المكان العسيرى فرض عمارة ذات خصوصية تظهر فيه جمالية العلاقة المتوترة بين الحيز الفضاء الطبيعي والمكان الفضاء العمراني، وقد ساق النعيم إلينا القرية العسيرية كنموذج تتشكل داخلها علاقة منظمة بين الفضائيين تبدو فيها الأبراج معالم بصرية تحدد الحدود أو بدايات المكان الانسانى أو الفضاء العمراني والحيز الذي يعنى الطبيعة في الجبل والحقل كخطوط متتالية من البدايات إلى النهايات التي كانت تميز ثقافة عسير كما قدم التفاصيل المعمارية الاركيتكتونية كشكلانية معاصرة أخرى ذات قيمة كبيرة في عمارة عسير بقوله يمكن النظر للعمارة العسيرية كذلك من خلال التعبير العميق للمتقابلين (المعماري التفصيلي والمشهد التصويري) الاعتناء بقيمة التفاصيل وخصوصية المواد المشكلة للبناء في التعبير عن شكل المبنى، إذ أننا نشاهد تلازم (التقني والمشهدى) بوضوح قلما نجده في أي عمارة أخرى بالمملكة، الأمر الذي يتطلب تأن وتبصر في كيفية صنع المبنى لا مجرد تركيز على التعبير البصري المشهدى كما هو الحاصل الآن، ويضيف نرى أن اى محاولة لبناء عمارة أصيلة يجب أن تضع في اعتبارها هذا التلازم في المستقبل كما أن الخصوصية الطبوغرافيا عادة ماتدفع إلى العلاقة الايجابية التكاملية التي تحفز المعماري بحيث يصنع مبنى متميزاً وفى نفس الوقت لا تؤذى الطبيعة.
ملامح المقاومة
ورغم أن المتخصصين يعتبرون أن المحاولة في العمارة العسيرية المعاصرة تعد أولية وغير ناضجة بمافيه الكفاية إلا انك تجد نفسك أمامها مبهورا بتكوينها العمراني المركب الأخاذ وأمام تجربة تعمق في داخل أعماقك إثارة الأسئلة حول استمرارية النواة الإبداعية في العمارة العسيرية الذي يساوى بالتراث العمراني التقليدي بحضوره الشكلانى العميق ولا تمتلك في حضورها إلا الاعتراف بأنها خطوة مهمة لفهم إمكانات العمارة المحلية ستفرض حضورها كعمارة قابلة للحياة في المستقبل لأن طبيعة العمارة هي البحث عن إبداعات جديدة وبناء التجربة التراكمية.
إمارة منطقة عسير- أبها
أول الأسئلة حول العمارة العسيرية المعاصرة تبدأ مع مبنى الإمارة الذي يقع في وسط أبها فهذا المبنى يشكل الرمز البصري والفراغي لما يمكن أن نسميه عمارة عسيرية معاصرة ويثير الكثير من الأسئلة حول المستقبل فماذا يمكن أن تكون عليه عمارة عسير في المستقبل ؟ في مبنى الإمارة مازال هناك شي من التراث ومازال هناك الكثير من الرغبة في استعادة الماضي وتطويره إذ أن فكرة التركيب الجيومترى التي نراها في هذا المبنى تعبر عن اندماج التشكيلات العمرانية التي عادة مانراها عن بعد لأي قرية عسيرية وكأن المبنى يبعث برسالة جديدة للمنطقة التي عاشت تاريخها كقرى منفصلة بأنها تعيش الآن حالة الاندماج والتركيب وبناء المستوطنات الكبيرة إنها حالة الأمن والحكم الحضري الذي يعكسه مبنى الإمارة ذو الصورة العسيرية المركبة وهى صورة رمزية ضرورية لمنطقة عسير، المسقط الافقى ذو شكل استطالى يخرج منه جناحان في احد إطرافه تصنع فناء وفي حقيقة الأمر إن تفكيك الكتلة الاستطالية وتركيبها على شكل أبراج عسيرية تحاكى اللغة المعمارية التقليدية هو جزء من وظيفة الإمارة التي تحتوى على الكثير من المساحات المكتبية فنحن لانشعر بهذا التفكيك والتركيب من الداخل الذي يبدو وكأنه فضاء مكتبي مثل كل الفضاءات المكتبية التي نشاهدها في اى مكان.
جامع الملك عبدالعزيز - أبها
كتلة الجامع بمنارتيه تعيد للأذهان اللغة البصرية المحلية بحضورها القوى وأبراجها التي تخترق خط السماء في القرية العسيرية التقليدية خصوصا عندما ننظر للجامع كجزء من الإمارة التي تمتد أمامه في تكوين عمراني مركب يعمق الحضور الاقليمى للعمارة العسيرية التي يبدو أنها ستفرض حضورها كعمارة قابلة للحياة في المستقبل، جامع الملك عبدالعزيز لايمكن استيعابه دون الفضاء الكبير الذي يقع فيه ويضم في نفس الوقت إمارة منطقة عسير والساحة المركزية التي تستخدم كمواقف للسيارات والاحتفالات في المناسبات الخاصة انه فضاء ذو وهج محلى من نوع خاص يبدو الجامع ككتلة متكسرة من الأعلى ذات ارتفاعات متعددة وبمساحة 3987متراً مربعاً تقريبا تحتوى داخلها على قاعة الصلاة التي تتسع لحوالي 3200مصل تبرز منها الجهة الشمالية كتلة رخامية بمساحة 100متر مربع تمثل المحراب كما يحتوى الجامع على قبو يوجد به (المخبأ) بمساحة 800متر مربع تقريبا ومواقف السيارات بمساحة 1490متراً مربعاً إضافة إلى طابق يحيط بقاعة الصلاة من ثلاث جهات بمساحة 1033متراً مربعاً خصص جزء منه كمصلى للنساء ومع ذلك فان الجامع من الداخل يعبر عن عمارة المساجد السعودية التي هي خليط من طرز سعودية متعددة تتجمع كلها لإضفاء عمق روحاني على الفضاء الداخلي للجامع بشكل عام.
مقر الخطوط السعودية -أبها
يثير مبنى الخطوط السعودية فكرة (الاستعارة) فالمبنى يتكون من جناحين وكتلة وسطية وكأنه طائر عملاق في إشارة مباشرة للطيران ولجسم الطائرة الفكرة هنا تدمج بين الاستعارة الوظيفية وبين الاستعارة من التاريخ لتظهر الأجنحة بلغة بصرية عسيرية افتتح المبنى عام 1417ه ويقع على ارض مساحاتها 1700متر مربع ضمن المجمع الحكومي في أبها وبمساحة بناء إجمالية تصل إلى 2500متر مربع وأول مايلفت النظر في المبنى هو صالة المبيعات التي تصل مساحتها حوالي 3509أمتار مربعة ومفتوحة على طابقين فهذه الصالة يمكن أن تستقبل 170مراجعا في نفس الوقت وتمثل كتلة زجاجية شفافة يحيط بها المبنى المكتبي المكون من ثلاث ادوار ويمتد على طرفيها ليصنع جناحين لتكتمل صورة الاستعارة التي حاول بها المصمم أن يعبر عن شخصية الخطوط السعودية، وهويتها الوظيفية بشكل مباشر وفى نفس الوقت يعكس القيمة البصرية العميقة التي تتميز بها منطقة عسير من خلال إعادة توظيف الكتل الجيو مترية المتمثلة في الأبراج المائلة خصوصا وأن طرفي الجناحين يعبران في جزء منهما عن علاقة نسبية يمكن ربطها بالنسب التقليدية في العمارة العسيرية يضاف إلى ذلك الخطوط الأفقية التي يمكن أن تمثل المداميك أو الرقف فالعمارة العسيرية متنوعة ولايمكن الوقوف عند عنصر بصري واحد فالخطوط الأفقية هنا تتنوع من مجرد حفر بسيط ومتكرر على الجدار الخارجي إلى خط زجاجي عميق وواضح الاستعارة المركبة هنا لها قيمتها الفكرية إذا أن المبنى في تكوينه الهندسي الخارجي العام ومفرداته البصرية التفصيلة التي تبعث برسائل محددة يمكن أن يفسرها المتلقي بطرق متعددة فإذا كان المبنى يعبر عن الهوية الوظيفية للخطوط السعودية كذلك هو يعبر عن الهوية البصرية لمنطقة عسير وتداخل الهويتين ينتج معاني متعددة يجعل من العمارة ذات قيمة ثقافية عميقة.
مبنى جريدة الوطن
في مبنى جريدة الوطن الحضور المتجدد للعمارة التقنية يمكن مشاهدته براحة خصوصا عندما يكون التكوين الجبلي هو الخلفية البصرية لهذه اللوحة التقنية، المبنى بسيط جدا وحديث جدا به بعض اللمسات الحداثية التي تعيد اكتشاف المخزون التراثي لمنطقة عسير يحتوى المبنى على مكاتب جريدة الوطن وعلى مبنى المطبعة في الخلف الذي يبدو كأنه فضاء كبير مفتوح يغطى معدات الطباعة الحديثة، الوظيفة جديدة على عمارة المنطقة بحيث يصعب تحقيق النسب التقليدية كما هو الحاصل في المباني المكتبية الأخرى وهو الأمر الذي يجعلنا نشعر أنه تجربة مختلفة عن التجارب المعاصرة في مدينة أبها المبنى يظهر كتلة مكتبية بسيطة ومتناظرة يتوسطها مدخل زجاجي ضخم يحتوى على بعض التشكيلات البصرية بينما تظهر باقي الكتلة خالية إلا من أشرطة زجاجية أفقية وبعض الصوبات في النهايات الطرفية اعلي المبنى في محاولة للإشارة للعمارة المحلية هذا التكوين المبسط يخفى خلفه مبنى المطبعة العملاق.
مشروع أبها الجديدة
يشكل هذا المشروع بداية حقيقية نحو التحول السياحي في منطقة عسير إذ أن المشروع وموقعه يعتبران نقطة أساسية في التحدي الذي تفرضه المنطقة على أي مشروع كما أن التنوع الوظيفي يجعل من الفكرة أكثر من إضافة للعمارة العسيرية المعاصرة فالموقع يقترب بشكل مباشر من سد أبها وبحيرته ويطل غربا على المرتفعات الجبلية هذا التكوين يفرض إطلالات تجبر أي مصمم على إعادة ترتيب التكوين الداخلي لعناصر المشروع وتعيد تعريف فكرة الاتجاه وهو مانلاحظه مثلا في فندق فصر أبها الذي يضم 150غرفة وجناحاً وثلاث صالات للاحتفالات والاجتماعات ونادياً رياضياً بالإضافة إلى الخدمات التجارية ومسجد يتسع ل 600مصل الذي يعطى ظهره للسد والبحيرة من اجل إتاحة الفرصة للغرف كي تطل على هذا المنظر الخلاب وهو نفس الأمر الذي نجد فيه الإسكان السياحي: شاليهات وشققاص سكنية تتراوح ومساحتها بين 100و 400متر مربع التي تصطف في مواجهة الفندق كي تحصل على اكبر إطلالة ممكنة وبما إننا لا ننكر تأثير الاتجاه على المخطط العام وعلى علاقة المباني بعضها ببعض ومع البيئة المحيطة، كذلك لانستطيع أن ننكر المحاولة المهمة التي يقدمها هذا المشروع لإعادة تفسير الخصوصية الفراغية والبصرية التي تتميز بها المنطقة إذا يبدو فندق قصر أبها حديثا جدا من الخارج وعلى مستوى التكوين الهندسي مع بيئة داخلية تستدعى الذاكرة التاريخية هذه الثنائية نجدها بدرجة اقل في المباني السكنية التي تظهر ملونة وذات خطوط أفقية تعيدنا إلى عمارة عسير المحلية وبأسلوب مختلف هذه المرة ولو نظرنا للمشروع ككل سوف نجد أن فندق قصر أبها مع المباني المحيطة به يعبران عن محاولة حقيقية للخروج من القبضة التاريخية دون أن يكون ذلك على حساب الارتباط بالثقافة المحلية وبشكل عام نعتقد أن هذا المشروع يضيف قيمة فكرية مع قيمته الاقتصادية الكبيرة التي شكلت نقلة حقيقية في ثقافة العمارة السياحية بالمنطقة.
مبنى المؤسسة العامة للتأمينات
الاجتماعية - أبها
يبدو مبنى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية كقلعة عسيرية ضخمة تخترق خط سماء مدينة، التكوين العام فيه مريح ويدفع إلى التفكير بعمق في أهمية توظيف العمارة العسيرية القديمة في الممارسة المعاصرة فهذا المبنى الذي يؤخذ من اللغة المعمارية العسيرى شكله وجيومتريته يبدو لنا كمبنى بسيط ومثير مع التصاعد الطوبوغرافى الذي يظهر خلفه وكأنه صورة تاريخية ومعاصرة، المبنى بشكله العام يحاول أن يقدم بعض المعاني الثقافية المرتبطة بالتناسب بين الفضاء المفتوح وبين التكوين الطبوغرافى للبيئة المحيطة وبين المبنى نفسه، يقع المبنى على طريق الملك خالد ويتكون من سبعة طوابق تتراجع مساحة الطابق كلما اتجهنا للأعلى لتحدث الميول الذي يميز الجدران الخارجية للبيت العسيرى التقليدي تقدر مساحة الأرض التي يقوم عليها المبنى بحوالي 2400متر مربع استغلها المصمم بالكامل في القبو والطابق الأرضي بينما يرتد المبنى في باقي الطوابق ليحقق الطابع المعماري الجنوبي وبمساحة بناء إجمالية تقدر ب (12470) متراً مربعاً ويرتكز التوزيع الفراغي على فكرة المربع المشطوف الذي يشكل الطوابق المتكررة ويحدد البهو الرئيس في الطابق الأرضي الذي يمثل فضاءات مفتوحا في الطوابق المتكررة كما أن السلم وما يمثل من أهمية رمزية في العمارة العسيرية فهو الناقل الحركي الرئيس، كون العمارة العسيرية تعتمد على الحركة الرئيسية أكثر من الحركة الأفقية وضع وسط البهو وبشكل مكشوف يعيد للأذهان قيمته التاريخية ويحتوى المبنى بالإضافة للمكاتب على العديد من صالات الإستقبال وقاعة محاضرات عامة تتسع ل 243شخصاً بالإضافة إلى مسجد في الطابق الثالث ما يجعل المبنى يظهر في صورة متكاملة داخل تكوينه الهندسي القوى.
طفرة عمرانية جديدة
وقد يكون من الصعوبة بمكان التفكير في شكل العمارة العسيرية في المستقبل إلا انه ليس مستغربا أن نتحدث حولها ونضع تصورات كفضاء للتفكير والتصميم يجيز لنا إثارة مسألة التطور العقاري والتنمية السياحية حيث أن كل الدلالات تشير على أن المنطقة مقبلة على طفرة عمرانية جديدة وان المشاريع ستكون بأحجام اكبر مما عهدته المنطقة من قبل مايعنى أن عمارة منطقة عسير في بداية مرحلة هامة من مراحل عمران البلاد وبالرغم مما أنجز في الطفرة الأولى وهو ليس بقليل فتجربة الطفرة الأولى بايجابياتها وسلبياتها كانت مفيدة ومثيرة ولابد من أنها شكلت لدى المسئولين تصورات جديدة إلا أننا في نفس الوقت نأمل أن مايمكن أن يحدث في هذه الطفرة الجديدة سيكون أكثر نضجا وعمقا ففروض التنمية بالمنطقة لايمكن أن تقبل ببعثرة الجهود في مرحلة تحتم إدخال معطيات جديدة وتوطين استثمارات ومشاريع عملاقة تتوافق مع رؤاها واستراتيجياتها، وعلى سبيل الاقتراح إنشاء شركة للتنمية الإقليمية تنبثق عنها شركات مساهمة متخصصة في الإنشاء والتعمير الإسكاني الحكومي والخاص يتوقع لها تحقيق أرباح عالية، خاصة أنه لا يتوفر العدد الكافي والمؤهل لتلبية الطلب على السكن في منطقة مترامية الأطراف تتبنى أهداف وبرامج ومخرجات المخطط الإقليمي للمنطقة في ضوء الإستراتيجية العمرانية الوطنية وخطط التنمية ما سينعكس على كافة أوجه التنمية ومنها الفن المعماري تلك الأداة الضرورية لتحويل الطموحات التنموية إلى فضاءات عمرانية تضمن استمرارية التنمية ولا تعيقها وتؤكد الخصوصيات ولا تلغيها وتقوى الطموحات ولا تضعفها وستساهم أيضا في تبنى مشاريع لنوع من الإسكان المرحلي اللائق والصحي غير المكلف، يمكن ذوي الدخل المحدود، والمتوسط الاستفادة منه بشكل مرحلي بخدمات تعالج أزمة الإسكان ومايشهده السوق العقاري حالياً من تضخم وفوضى عقارية وارتفاع تكاليف مواد البناء، وارتفاع أسعار الإيجارات التي أدت لالتهام أغلب دخول العائلات وبالتالي عدم استطاعتهم شراء وحدات سكنية من خلال تصاميم معمارية تحافظ على الهوية التقليدية المحلية وتراعى الاعتبارات الجمالية في بيئة الأحياء وتحترم الفضاء الذي هو من سحر الطبيعة إذا أن نجاح التنمية في اغلبه يكمن في نجاح الفضاء العمراني، تطوير السياحة تطور السياحة ولتعليم والصحة والخبرات الاجتماعية والإدارية والأسرية لابد لها من فضاءات عمرانية ناجحة كون العمارة الناجحة بمفهومها الشامل أوسع بكثير من مجرد البناء وتشكيل البيئات المادية فجزء اساسى منها مايهتم بعمارة الإنسان.
الثقافة العسيرية
وهذه ليست دعوة لمحاولة استخدام الماضي كحلول جاهزة لمشاكل الحاضر وتجميد الزمن إلى درجة الإلغاء أو تحويلنا إلى كائنات تراثية إنما هو تلميح نريد به أن نكون كائنات لها تراث وافترض حالة واقعية تتطور منها حضارة معمارية محلية بأسلوب واع معبر ليقف في مواجهة الزحف الاستبدادي للعمارة الطفرة تتقبل الجانب الايجابي من الحياة الحديثة وتتحرر من بعض قيود الماضي التي لم تعد تنفع أن تمتصها دوامة الإنتاج الاستهلاكي الغالبة في هذا الزمن. ولعلنا نؤكد أن الثقافة العسيرية غنية جدا إلى الدرجة التي يمكن أن تنتج عمارة محلية أصيلة إقليمية استثمارية، المهم أن نتيح لها الخروج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.