إن زمننا الحالي والقادم إلى حين يعلمه الله... هو زمن توحد الفكر. لقد تشابهت طبيعياً وعبر الأزمنة الأنماط بأنواعها من مأكل ومشرب وملبس وأسلوب معيشة أو تكاد... فما بات يصنع ويؤكل ويشرب أو يلبس في الغرب أصبح موجودا في الشرق أقصاه وأدناه. ربما إن مفهوم "العالم قرية صغيرة" لم يعد مقصورا على التعبير في سرعة الانتقال بدنياً أو في سهولة التواصل صوتاً وصورةً. بل توسع المفهوم ليشمل تشابه الأنماط والسلوك بالعموم والقوانين التجارية والاقتصادية بالخصوص. إن التشابه بدأ تلقائيا طبيعيا عبر الأزمنة ببطء ولم يكن يُرى مقارنة مع زمننا الحالي والذي بدأت تضمحل فيه الفروقات. ولكن.. ومنذ فترة ليست بطويلة اخذ نمط جديد في طوره إلى التشكل وهو التوحد في النمط الفكري بدأ طبيعيا اقلياً ولكن لسبب أو لآخر بدأ ينتشر في المجتمعات ويتبناه الفرد. إن التمايز والتنوع بأنواعه سابقاً كان يرمز للاستقلال والقوة وينتج عنه تنوع الحضارات. والآن التشابه أو التشبه أو توحيد الأنماط الطوعي أو القسري بأنواعها نتج عنه توحيد الحضارة لصالح الحضارة الحية المتفاعلة. ويقود ذلك عوامل منها أن الانقياد للحضارة المعاصرة الحية يرمز للتنوير والتطور ومجاراة لشروط الزمن والتي لا يمكن التنصل منها أو مجابهتها لكي لا تعيش معزولا خاسرا ماديا ومعنويا. أن التشابه الفكري في ازدياد والتنوع في اضمحلال وهذا ليس مقصورا على منطقة معينة انما يشمل جميع مناطق العالم التي تريد أن تأخذ بأسباب التطور والسير في ركب الحضارة المعاصرة والنظام العالمي الجديد. وربما يلزمنا نحن أن نسير أيضا وبفكر واع وقائي رشيد لندخل هذه الحضارة ونسير في ركبها بأقل الخسائر... لأنه لا خيار لنا إلا ذلك أمام هذا الطوفان الحضاري الأوحد المعاصر. أن مبدأ حوار الأديان أو حوار الثقافات وخصوصاً الحوار الجاد مع الثقافة المسيطرة الغالبة والتي تنتشر في العالم انتشار النار في الهشيم لهو الحكمة بعينها والفكر الرشيد للحفاظ على مبادئنا وتطعيم الثقافة المعاصرة المسيطرة بأفكارنا النيرة الموروثة بقدرما نستطيع. وهذا واجبنا تجاه مبادئنا وتجاه هذه الثقافة المعاصرة لعرض أفكارنا التي نؤمن بها ونرى فيها الصلاح والنفع للإنسانية. إن حوار الأديان والذي دعا له خادم الحرمين الشريفين حفظه الله هو تحمل للمسؤولية وحكمة وفكر رشيد تجاه ديننا وثقافتنا والإنسانية، وتبقى مسؤوليتنا كأفراد لإظهار الوعي بذلك عملياً في واقع حياتنا.