في زيارة لمالك الإبل ورجل الأعمال الشيخ هذال بن مطلق بن خونان الدماسي كان الحديث عن وسوم الإبل وما طرأ على العلم من تقدم فيما يخص إثبات ملكية الإبل. والحقيقة أن اختزال دلالة وسوم الإبل في نطاق الملكية أمر ليس دقيقا. حيث تُعد وسوم الإبل من أقدم الممارسات التراثية التي عرفتها القبائل في الجزيرة العربية، وهو تقليد متجذِّر ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية القبلية وبنمط الحياة الرعوي الذي ساد قرونًا طويلة. فالوسم لم يكن مجرد علامة تُطبع على جسد الحيوان، بل كان نظامًا اجتماعيًا واقتصاديًا وقانونيًا غير مكتوب، يحدد الملكية، ويمنع التعدي، ويعكس الانتماء والذاكرة الجمعية للقبيلة. ظهرت وسوم الإبل منذ العصور القديمة، وتشير الشواهد الأثرية والنصوص التاريخية إلى استخدام هذه العلامات على الحيوانات في المجتمعات الرعوية في الشرق الأدنى القديم. وفي البيئة العربية، اكتسبت هذه العلامات بعدًا خاصًا، نظرًا لأهمية الإبل بوصفها عماد المعيشة ووسيلة النقل والتجارة، بل ورمزًا للمكانة الاجتماعية. تنفذ الوسوم غالبًا بالكيِّ على مواضع محددة من جسد الناقة أو الجمل (الفك، الرقبة، الفخذ)، باستخدام أشكال هندسية أو رموز متعارف عليها بين القبائل، مثل الخطوط أو الأقواس أو العلامات المركبة، بحيث تكون واضحة ولا تلتبس بغيرها. أما دلالات الوسوم فتتجاوز البعد العملي إلى أبعاد رمزية وثقافية. فالوسم يُعد "توقيع القبيلة" أو فخذ منها على ممتلكاتها، ووسيلة لإعلان الوجود والامتداد في الفضاء الصحراوي المفتوح. كما لعبت الوسوم دورًا في حل النزاعات، إذ كان الاحتكام لها معترفًا به عرفيًا عند الاختلاف على ملكية الإبل. ومن الناحية الأنثروبولوجية، يعكس الوسم نظامًا دقيقًا من المعرفة الشعبية المتراكمة، حيث تعرف كل قبيلة وسوم غيرها، وتدرك مواضعها وأشكالها، مما يدل على شبكة اجتماعية معقدة قائمة على الثقة والعُرف. ومع التحولات الكبرى التي شهدها العالم في العصر الحديث، ولا سيما وطننا الغالي المتقدم -ولله الحمد- تقنياً، وتطور الأنظمة القانونية والتقنية برزت بدائل جديدة أمام هذا التقليد. فقد أثيرت تساؤلات حول الجوانب الصحية لوسوم الإبل بالكي، إضافة إلى محدودية فعاليته في ظل اتساع النطاق الجغرافي للإبل، وتزايد أعدادها، وتعقُّد سلاسل الملكية والتنقل. فظهرت –على سبيل المثال- الشرائح الإلكترونية (Microchips)، التي تُزرع تحت جلد الناقة أو الجمل وتحتوي على رقم تعريفي فريد مرتبط بقاعدة بيانات رسمية. تتيح هذه التقنية توثيق الملكية بدقة عالية، وتسهِّل تتبع الإبل، وتدعم برامج الصحة الحيوانية، وتحد من السرقات والنزاعات. كما أنها تتوافق مع المعايير الدولية للرفق بالحيوان، وتنسجم مع توجهات التحول الرقمي التي تتبناها كثير من الدول، ومنها المملكة العربية السعودية. ومن هنا شهدنا حرص نادي الإبل على الاستفادة من هذه التقنية. ولكن لا يعني اعتماد هذه التقنيات الحديثة القطيعة مع التراث. بل إن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق توازن واعٍ بين المحافظة على الرمزية الثقافية لوسوم الإبل، وبين تبني الحلول التقنية التي تلبي متطلبات العصر. فالوسم في حد ذاته رمز تراثي وهوية بصرية تجب المحافظة عليه، إلى جانب تسجيل الإبل رسميًا بالشرائح الإلكترونية، في نموذج يجمع بين الأصالة والمعاصرة.