يُخطئ كل مسؤول يعتقد أن السيطرة على مَن حوله بالقوة والإلحاح هي الطريق لتحقيق الإنجازات التي تُنسب إليه لاحقاً. فكما جاء في الأثر: «لا تكن لِيناً فتعصر، ولا شديداً فتكسر، ولكن كن بين ذلك». أي لا تكن ضعيفاً حدَّ الاستهانة، ولا قوياً حدَّ الإفراط؛ لأنك ستكون أول من يخسر المجموعة، وآخر من يغادر المشهد بينما الجميع حانق عليك. كرة القدم، منذ أن تجاوزت مرحلة الهواية ودخلت عالم الاحتراف قبل سنوات، أصبحت عملاً قائماً بذاته ثم تحوّلت إلى صناعة واستثمار واقتصاد. فهي لا تختلف عن باقي مجالات الحياة: هنا عمل، وهناك أعمال، ولكن الفارق الحقيقي يكمن فيمن يقود الأرواح قبل الأبدان؛ فالأرواح تملّ كما تملّ الأجساد، وتصدأ كما يصدأ الحديد. لذا، فإن خير القادة مَن يجمع بين الحكمة والهدوء، لا القسوة والصرامة التي تزيد الأمور تعقيداً. لقد رأينا جميعاً كيف بدا ريال مدريد مختلفاً ومتماسكاً مع كارلو أنشيلوتي، لأنه يمنح اللاعبين مساحة من الحرية، ويتعامل معهم بحنان الأب قبل احترافية المدرب، على النقيض، تأثر الفريق سلباً مع المدرب الشاب تشابي ألونسو، الذي حاول فرض سيطرته عبر التعليمات المستمرة والعقوبات الحازمة، وهو ما ولّد ردة فعل سلبية أفقدت الفريق صدارته، وجعلت الغريم التقليدي برشلونة يستثمر الوضع لصالحه ويتصدر الدوري الإسباني. في العام الماضي، كانت سمعة المدرب الإسباني في أعلى مستوياتها عندما كان يقود باير ليفركوزن، وكان الإعلام العالمي يصفه بأنه أحد أبرز المدربين الصاعدين. لكن ما الذي تغيّر اليوم؟ في ألمانيا كان قادراً على فرض الانضباط على لاعبين مغمورين يشكلهم كيفما يشاء، أمّا في إسبانيا فالوضع مختلف تماماً؛ إذ وجد نفسه أمام لاعبين نجوم يحيط بهم شيء من التعالي والغطرسة، وهم أقل تقبّلاً لأسلوبه، مما جعله يبدو ك«المدرب المكروه» في المنظومة. خطأ ألونسو الوحيد أنه لم يفرض على إدارة ريال مدريد اختيار النوعية المناسبة من اللاعبين الذين يستطيع التعامل معهم والتحكم فيهم. فقد بقي أسيراً لمجموعة من اللاعبين تعوّدوا سابقاً أن يلعبوا وفق مزاجهم لا وفق منهج تدريب واضح. وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء سنجد المثال الأوضح على هذه الفكرة: بيب غوارديولا، فعندما استلم تدريب برشلونة وحقّق معهم الإنجازات التاريخية، بدأ أولاً بإقصاء بعض النجوم البارزين مثل: زلاتان إبراهيموفيتش، وصامويل إيتو، والبرازيلي رونالدينيو؛ لأنهم برأيه لن يساعدوه على فرض منهجه. هنا تكمن الحكمة: يمكنك كمدرب أن تفرض ما تريده، ولكن عليك أن تعرف مع أي نوع من اللاعبين يمكن أن تنجح، ومع أيّهم ستفشل. حسين البراهيم - الدمام