لا يمكن إنكار التأثير المتعاظم للمملكة العربية السعودية على الثقافة العالمية، فمنذ الأزل، كانت بلادنا مهد الرسالة المحمدية، ومن أرضها المباركة انطلق ضياء الإسلام ليشع في سائر أرجاء الدنيا، منذ عصر الصحابة والتابعين. واليوم، يسطع دور المملكة على الصعد كافة، مؤكدًا مكانتها كقوة ثقافية عالمية فاعلة. في مجال الفنون البصرية، لم يعد صعود أسماء لامعة مثل رائدة الفن التشكيلي صفية بن زقر والفنانة المعاصرة منال الضويان حدثًا عابرًا، فمشاركات المملكة في المحافل الدولية الكبرى، مثل: بينالي البندقية، فتحت آفاقًا جديدة لقراءة الفن السعودي بوصفه جزءًا أصيلًا من الحوار الفني العالمي. كما أن "بينالي الدرعية للفن المعاصر" قد رسخ مكانته كمنصة دولية تستقطب الفنانين والنقاد من كل مكان، وهو ما يعكس حجم الحراك الفني المتسارع في المملكة. في قطاع التراث، يمثل مشروع "العلا" نقلة نوعية، فقد تحولت المنطقة، التي كانت موقعًا أثريًا محدود الزوار، إلى وجهة ثقافية وسياحية عالمية، تستضيف فعاليات دولية كبرى مثل: مهرجان "شتاء طنطورة". ويعرض المشروع إرث حضارات دادان ولحيان العريقة بطريقة حديثة ومبتكرة. كما أن قرية رجال ألمع التراثية في عسير تُعد مثالًا آخر لتحويل التراث المحلي إلى مشروع حي يجذب المختصين والمهتمين عالميًا، وقد نالت اعترافًا دوليًا كواحدة من أفضل القرى السياحية. أما في مجال الآثار، فقد أظهرت أعمال التنقيب السعودية-الدولية المشتركة، خاصة في مواقع مثل: تيماء وحائل، عمق تاريخ الجزيرة العربية، وأدخلت الاكتشافات الأثرية في صلب النشرات والمؤتمرات العلمية المرموقة، مما يسهم في إعادة كتابة جزء من تاريخ المنطقة. تشهد المؤسسات المعرفية تطورًا ملحوظًا، ف"مكتبة الملك فهد الوطنية" و"مكتبة الملك عبدالعزيز العامة" توسعان جهود الرقمنة وتتيحان أرشيفات ضخمة للباحثين حول العالم، ويقدم "مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)" في الظهران نموذجًا حديثًا لمركز ثقافي متكامل يجمع المعرض والمسرح والمكتبة والمتحف في صيغة واحدة، ليصبح منارة للإبداع والمعرفة. في مجال التأليف، تتجلى الأمثلة واضحة على الحضور السعودي في المشهد الأدبي العالمي، فقد فاز الروائي محمد حسن علوان بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عن روايته "موت صغير"، كما أن الروائية رجاء عالم حصدت الجائزة ذاتها عن روايتها "طوق الحمام"، مما يؤكد على الحضور الدولي القوي للأدباء السعوديين الذين تُترجم أعمالهم إلى لغات عدة. هذه النماذج ليست مجرد تجميل، بل هي دلائل ملموسة على ثقافة تتحرك بخطى ثابتة وسريعة، وتأخذ موقعها المستحق في المشهد الثقافي العالمي.