من بوابة التعاملات التجارية الليلة، سُمي بسوق الليل، وعلى طول سواحل البحر الأحمر التي تزيد على 3500 كلم، يعد من أقدم الأسواق المجاورة للموانئ، هو "سوق الليل" بمدينة ينبع، حيث التقاء حكايات ومرويات، وقصص، البحارة والتجار، والصيادين. ونحن ندلف صباحاً، حيث نسائم البحر المعتدلة، بين أزقة السوق العتيق، استنشقنا عبق تاريخ البحر، وتخيلنا ضجيج السوق حيث حوانيته القديمة التي يزيد عددها على ثلاثين محلاً ببوابة ضيقة تشرف على ممر تسبقه بوابة مقابلة لساحل البحر الأحمر، حيث تقف عشرات السفن التجارية القادمة من مصر والسودان واليمن، والشام. من الأبنية والدور المبنية بأحجار البحر البيضاء، والمسقوفة بجذوع النخيل، ونوافذه المزينة بالمشربيات المزخرفة، تأكدنا أن سوق تسكنه أسر معروفة بالتجارة والملاحة، توارثت المهن، وتعاقبت على تجارة السوق العتيق، والذي ظهر أمامنا وكأنه متحف تاريخي ومسرح مفتوح، بل ونافذة مُشرعة نطل من خلالها على التاريخ البحري والاقتصادي والثقافي والتعليمي لمدينة ينبع. ولم يعد سوق الليل في ينبع، مجرد سوق تجاري فحسب، ولكنه ملتقى ثقافي، واجتماعي، وفكري، بل وإعلامي من داخله تتدفق الأخبار، والقصص، والروايات. والسوق الذي استعاد هويته التاريخية والتراثية، تخيم عليه الآن الأجواء السياحية، والتراثية، والترفيهية، والفعاليات المتخصصة، وبدت لنا ظاهرة بجلاء، ونحن نتجول فيه على الرغم من خلو المكان من المترددين، لكن انتشار الجلسات والكراسي، أمام المحلات التجارية، جسد لنا ملامح الموقع كوجهة يقصدها الزوار والسياح. ومن مشاهداتنا للوحات دكاكين السوق عرفنا أن ثمة منتجات يشتهر بها، حيث كان قديماً سوقاً تنبض بالحياة ورائجة ببيع الأسماك، الطازجة والمجففة، والتمور والتحف، والأزياء التراثية، والتوابل، والعسل والبخور، والقهوة والعطور العربية، والمصنوعات اليدوية. ثمة أسوار تحيط بالأبنية القديمة المتهدمة، لتنفيذ مشروع استكمال ترميم وإعادة تأهيل، ضمن جهود تطوير المنطقة التاريخية في ينبع. وتحولت الفضاءات الخارجية والحوانيت الداخلية بعد عودة الحياة للسوق إلى تعزيز حكومي من قبل هيئة التراث ووزارة السياحة وبلدية ينبع، لدعم للمجتمع المحلي الينبعاوي، والأسر المنتجة لاستثمار توافد السياح والزوار وسكان ينبع والمدن القريبة منها. بوابة سوق الليل