هل الأمان الرقمي مجرد حماية لجهاز أو كلمة سر؟ بالتأكيد لا.. بل هو حماية لهويتك وسمعتك وتفاصيلك التي لو خرجت لغير مكانها لتغيّر الكثير من الملامح. لذلك أصبح من الضروري أن نكون واعين وحذرين، وألّا نضغط على أي رابط أو نستقبل رسالة من رقم مجهول، كي نحمل كل شيء.. إلا الخطأ والنسيان. ورغم كل هذا الاتساع في الفضاء الرقمي، إلا أن أكبر تهديد لا يأتي من التقنية نفسها.. بل من السلوك البشري، أغلب الاختراقات العالمية اليوم لا تعتمد على أدوات معقدة؛ إنما تبدأ بخطأ بسيط: رابط نظنّه آمنًا، أو رسالة تبدو مألوفة، أو كلمة مرور مكررة على كل حساباتنا. تقرير Verizon Data Breach 2023 كشف أن 74٪ من الاختراقات العالمية سببها خطأ بشري وليس ثغرات تقنية عميقة، وهذا يوضح أن الوعي أهم من أي برنامج حماية. بمعنى آخر... أنت نفسك خط الدفاع الأول، وإذا سقط الوعي سقطت كل الحواجز. وفي مجتمعنا تحديدًا، يتعامل الجميع أفرادًا وجهات مع الفضاء الرقمي بوتيرة عالية جدًا، فهيئة الأمن السيبراني أعلنت أن الجهات المختصة تعاملت مع أكثر من 200 مليون محاولة تهديد إلكتروني خلال 2023، لذا تُصنَّف المملكة ضمن أفضل خمس دول عالميًا في مؤشر الأمن السيبراني الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU). هذا التفوق يعكس قوة البنية الوطنية ولله الحمد، لكنه يترك سؤالًا مهمًا: ماذا عن المستخدم الفرد؟ فالمنصات مؤمّنة، والأنظمة قوية، لكن حسابًا واحدًا مُهملًا أو مستخدمًا غير واعٍ قادر على فتح بابٍ لا يُغلق بسهولة. ومع ازدياد الاعتماد على المحادثات الخاصة، وبالأخص واتساب، زادت الثغرات وتعددت وسائل الاختراق، تقارير أمنية عالمية أشارت إلى أن سرقة حسابات واتساب ارتفعت بنسبة 45٪ عالميًا خلال 2023 بسبب «الهندسة الاجتماعية»، أي الخداع والإقناع وليس الاختراق التقني. فمشاركة رمز التحقق، أو الرد على أرقام مجهولة، أو فتح روابط مغرية.. كلها ممارسات قادرة على وضع حسابك في مهب الريح خلال دقائق. الأمان الرقمي يبدأ من كلمة المرور؛ فاستخدام كلمة واحدة لكل المنصات يشبه ترك مفتاح واحد يفتح كل أبواب حياتك. شركات الحماية مثل Microsoft Security تؤكد أن تفعيل التحقق الثنائي يقلل احتمالية الاختراق بنسبة 96٪، وهي خطوة بسيطة لكنها تمنحك حائط أمان ضخمًا. وحتى البريد الإلكتروني الذي نستخدمه بشكل يومي يظل واحدًا من أخطر المنافذ. أغلب رسائل الاحتيال اليوم تأتي متنكرة كرسالة رسمية، أو إشعار أمني، أو فاتورة مستعجلة، وكلها تعتمد على استعجالك لا على مهارة تقنية. أما الخصوصية فهي الجزء المنسي من الأمان؛ ما تشاركه في مجموعة صغيرة قد يصل لمئات دون إذنك، وما تكتبه في لحظة غضب قد يبقى صورة محفوظة لسنوات، كثير من القضايا تبدأ بلقطة شاشة خرجت من سياقها، أو كلمة بسيطة وصلت لشخص غير مقصود؛ لذلك من الحكمة ألا تكتب شيئًا لا تقبل أن يخرج للعامة.. حتى لو كان في محادثة خاصة. الحضور الرقمي الواعي ليس خوفًا ولا مبالغة، بل احترام لنفسك ولصورتك ولتفاصيلك. ومع أن التقنية تتطور بسرعة، يظل الوعي والإدراك هما السلاح الأقوى، فالعالم الرقمي كبير وممتد.. لكنه لا يرحم ولا ينسى الهفوات؛ فكن حاضرًا بعقلك، واحمِ خصوصيتك قبل أن يتولى غيرك رسم ملامحك.